معالم منهاجه في تأويل تناسب ترتيب سور القرآن كما هي في نسق التلاوة، وكما عليه الأمة قائما بين دفتي المصحف، فكلّ سورة إنّما هي نازلة منزلها الحكيم الذي لايكون لها غيره لما اقتضاه مقصودها الأعظم وما تناسل منه من معانى الهدى الكلية والجزئية، فتحقق للسورتصاعدها في ترتيبها وتناسل مقاصدها ومعانيها.
وهذا الضرب تراه في المعالم الأربعة الأولى وقد جعلتها الفصل الأول من هذا الباب.
وعناية كثير من المفسيرين بهذا الضرب قليلة بالنسبة إلى منزلها في الإعجاز البياني للقرآن الكريمِ، ومنزلها من الفقه والفهم
وعناية البقاعي بهذا الضرب عناية متميزة عن عناية أقرانه وأشياخه مما يجعل لتفسيره (نظم الدرر) مكانا يمكنك أن توقن أن غيره لا يزاحمه فيه.
ومنهاجه في تدبر هذا الضرب متميِّز عن منهاج سابقيه ولاحقيه ممن تكلموا في مناسبات السور، وسوف تكشف لك الأوراق القادمة - إن شاء الله تعالى - بعضًا من ملامح هذا التميز في منهاج البقاعي في تأويله بلاغة القرآن الكريم في تناسب سوره.
﴿والضرب الآخر﴾ :
معالم تأويل بناء السورة القرآنية وتصاعد معانيها الكلية والجزئية وتناسلها من مقصود كليّ أعظم
وهذا تراه في بقية المعالم التي أوجزت القول فيها، وقد جعلته الفصل الثاني من هذا الباب، وهذا الضربُ هو الجامعُ بين نوعي النَّظم عند البقاعيّ: النظم التركيبي، والنظم الترتيبي
وإذ ما كانت مسالك النظم التركيبي عديدة لا يكاد يحاط بها على نحو ما تراه في علوم البلاغة العربية فإنَّ مسالك النظم الترتيبيّ أشدَّ مؤونة على سالكها فقها وتدبرًا، وأبسط ميدانا وأبعد مدى، مما بستوجب على القائم لفقهها أن يتخذ لها الزاد، وخير الزاد التقوى وإتقان العمل.


الصفحة التالية
Icon