الحق - عز وجل - قد أعلن في مفتتح تفصيل البيان المجمل في سورة الفاتحة أن القرآن الكريم هو الكتاب البعيد المنزلة العليِّ القدر الذي لا قِبَلَ لأحد أن يستشرف إلى اللحوق به، وهو القائم الشاهد الذي لايغيب بما أشار إليه اصطفاء اسم الإشارة للبعيد (ذلك) وكأنَّ في هذا إشارة إلى الصراط المستقيم المطلوب الهداية إليه في سورة الفاتحة ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ فقال ذلك الصرط المستقيم الذي تطلبون الهداية إليه هو (الكتاب) وبما أشار إليه التعريف باللام (الكتاب) واصطفاء كلمة (كتاب) الدالة على الجمع من جهة وعلى القضاء والحتم والتوثيق من أخرى، فهو البيان الجامع الموثَّق المحتوم الذي لايتأتى لأحدٍ من العباد أن ينقض بما أبرمه، فهذه معانٍ مكنونة في اصطفاء كلمة (كتاب) دون ذكر أو قرآنٍ، في هذا السياق، فلم يقل ذلك الذكر أو ذلك القرآن.
وأعلن أنَّ ذلك الكتاب البعيد الشأن العليَّ القدر هو أيضًا بعيد كلَّ البعد عن أن يكون محلا للريب أو أن يكون أهلا لأنْ يرتاب فيه مرتابٌ يقوم ارتيابه من شيء في ما يرتاب فيه أمَّا أولئك الذين يرتابون فيما ليس فيه ما يُغْرِى بريب، بل يسقطون ما اعتمل في صدورهم من الريب على ما هو العليّ المنزه عن مثل ذلك فإنه لا اعتداد بمثلهم
وكأنَّ في هذا هداية وتعليمأ للأمَّة ألا تعتد بكل ما تتقاذفه الألسنة من أقوال بل عليها أن تتحقق وأن تتثبت، وهذا الذي أفاده قوله (لاريب) فيه إلاحة وإيماء جاء البيان عنه إفصاحا في قول الله - سبحانه وتعالى -:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ (الحجرات: ٦)


الصفحة التالية
Icon