ثم سنة نظم السور وترتيبها
ومن ثمَّ كانت عناية البقاعي بتدبر بلاغة تناسب البيان القرآني الكريم من وجوه عدة أعمُّها بلاغة ترتيب السور وتناسب موقعها وهو أمر عظيم يقوم عليه منهاج التدبُّر والتَّأويل في تفسير البقاعي لايتخلى عنه في موضع من مواضعه.
وسوف نشير إلى معالم أخرى منسولة من هذا المعلم الكليّ وكلها رامية إلى تقرير حقيقة تناسب القرآن الكريم في ترتيب بناء جمله وآياته ومعاقده وسوره.
و" البقاعِيُّ " يقرر في نهاية مقدمة تفسيره " أنّه لا وقف تام في كتاب الله، ولا على آخر سورة (قل أعوذ برب الناس) بل هي متصلة مع كونها آخر القرآن بالفاتحة التي هي أوله كاتصالها بما قبلها بل أشدّ" (١)
ويقرر عند تأويل قول الله - جل جلاله -:
﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ﴾ (البقرة: ٨٨)
تبعًا لـ"الحرَالّيّ" انَّه: " انتظم صدر هذه السورة إظهار الشيْطَنَتَيْنِ من الجنِّ والإنِسِ الذي انختم به القرآن من قوله: " منَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ" (الناس: ٦) ليتصل طرفاه، فيكون ختمًا لا أول له ولا آخر، والفاتحة محيطة به.
لايقال: هي أوله ولا آخره، ولذلك حتم بعض القراء بوصله حتَّى لايتبيّنَ له طرف، كما قالت العربية لمَّا سئلت عن بنيها: " هم كالحلقة المفرغة لايدرى أين طرفاها (٢)
وهذا الذي يتخذه أساسًا لتأويله يقضي بأنَّ كل وجه من وجوه التأويل للبيان القرآنيّ المجيد لايكون فيه تحقيق للمقصود الأعظم للقرآن المجيد، ولا يتناسب معه لايكون ذلك الوجه من الصواب في شيء.
وهذا معيار موضوعيّ من ذات البيان المؤول يكون مثابة ومرجعًا لما قد يشتجر في تأويله القول بين طوائف العلماء.
المعلم الثاني...
بيان تصاعد مقاصد السور ومعانيها
(٢) - سابق: ٢/٣٤