ذلك العنصر هو السياق الذي يقوم فيه البيان المًعاد ذكر مُكَوّنه المرتَّل، فإذا ما تغير موقع البيان المعاد مكوِّنه المرتلّ تغير المكنون المتذوّق، فليس القائم بالمعنى المكنون في البيان هو ما يرتله اللسانُ بل هنالك أمورٌ أخرى هي لاتقِلُّ منزلة عنه
منها السياق المقالى الذي يقوم فيه لك البيان، وذلك السياق معصوم من التناسخ، فهو كدفقة الموج في سياق ماء المحيط الزّاخر لاتتكرّر أبدًا
والبقاعيّ ينظر في السياق الكلّيّ للمعنى القرآنيِّ فيبصرُ أنّه من منازل ومراحل ذات وجوه عدَّة
من تلك الوجوه النظر في بيان الله - عز وجل - عن القرآن الكريم مَنْزِلَه ومقصده، فنظر" البقاعيّ " في هذا البيان فرأى أن تفصيل أم الكتاب قد بدأ بالبقرة المستهلة بيانها عن القرآن الكريم
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لارَيْبَ فِيه هُدًى لِلْمُتَّقينَ﴾
وكانت التالية لمفتتح هذه المرحلة هي سورة " آل عمران " وقد أثبت فيها أنَّ القرآن الكريم حقٌّ:
﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بِيْنَ يَدَيْهِ﴾ (آل عمران: ٣)
وأنّ السياق قد امتدَّ حتى آخر سورة " التوبة " التي هي آخر (الطول) والنازلة في شأن غزوة العسرة: تبوك، وهي في غزو الروم، وكان انتهاء التلاوة فيها
﴿يأيُّها الّذين آمنُوا قَاتِلُوا الّذِين يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّار وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظةً وَاعْلَمُوا أنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقينَ﴾ إلى قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿فإنْ تَوَلَّوا فَقَلْ حَسْبِيَ اللهُ لاإِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ العَظِيمِ﴾ (التوبة: ١٢٣-١٢٩)
وابتدأ البيان من بعد هذه المرحلة بسورة (يونس) التي هي أوَّل (المئين) والمستهلة بيانها أيضًا عن القرآن الكريم