فإن قيل: إن هذا كمثل ما كان من شأن الأذان ومن شأن موافقات عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فهو أمر مدفوع بأن ذلك كان في زمن الوحي فكان الإقرار معلوما بإقرار النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا الذي إقراره من إقرار الوحي لامحالة فيكون مآل الأمر أنه سنة نبوية سبيلها الإقرار.
والذي يقول به "الحرالّي" من اقرار الله - سبحانه وتعالى - اجتهاد الصحابة في ترتيب سور القرآن الكريم إنما هو أمر كائن على زعمه من بعد انقضاء الوحي، فكيف كان العلم بإقرار الله - سبحانه وتعالى - ما كان من اجتهاد الصحابة في هذا؟
لو أنَّ "الحرالّيّ " أراد بقوله" باجتهاد الصحابة " اجتهادهم في ترتيبه جمعا بين دفتى المصحف كمثل ما كان جمعا في صدر النبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ثم صدور أصحابه رضوان الله عليهم لكان أمرًا غير مدفوع عندنا...
أمَّا أنّ النبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا انتقل إلى الرفيق الأعلى والصحابة لا يقوم ترتيب سور القرآن الحكيم في صدورهم على النحو الذي هو قائم بين دفتي المصحف الذي بين أيدينا، فهذا امرٌ هو المدفوع عندنا.
وأنت حين تتابع "البقاعيّ" في تفسيره تجده مصرحا في مواضع منه بما يدلّ دلالة بيّنة جليّة على أن ترتيب السور إنما هو وجه من إعجازه الذي هو من منزله - جل جلاله -
في مفتتح تأويله سورة "النساء" يقرر أنها من أواخر ما نزل، ويذكرما رواه البخاري في فضائل القرآن من صحيحه من أنّ عراقيًا سأل أمَّ المؤمنين " عائشة " الصديقة رضي الله عنها فقال: " أيّ الكفن خير؟ قالت: ويحك، وما يضرك؟


الصفحة التالية
Icon