ولقد نشر - سبحانه وتعالى - في غضون مجادلتهم وغضون محاورتهم ومقاولتهم من الجمل الجامعة في شرائع الدين التي فيها بغية المهتدين ما أقام البرهان على أنَّهُ هدى للعالمين
هذا إجمال الأمر
وفي تفاصيله كما سترى من بدائع الوصف أمور تجلّ عن الوصف تذاق بحسن التعليم ويشفي عيَّ جاهلها بلطيف التكليم والله ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق " (١)
وأنت ترى في الوجه الثاني تفصيلاً ليس في الأول ييسر لك رؤية حركة المعنى القرآني في آيات ذلك المعقد من معاقد السورة.
وفي إشارته إلى تعدد وجوه التناسب والتناسل ما يهدي إلى وثاقة الاعتلاق بين أجزاء السورة القرآنية، وهذا شأن البيان العليّ لايمنحك وجها واحدًا من المعانى أو العطاء بل هو يكنز لك في بيانه ضروبا من معانى الهدى ويدع لك الاجتهاد في استخراج ما يتوافق مع قدرك تحريضًا على متابعة الاجتهاد في الاستنباط، وفي الوقت نفسه يدفع عنك غائلة الملل إذا ما أنت أخذت في كل محاولة اجتهادية ما أخذته في السابقة عليها، ولكنك إذا ما لقيت في كل مرة من فيض العطاء غير ما لقيت في التي قبلها أقبلت إقبال المتطلع التائق المؤمِّل.
وفيه أن درجات العطاء تتعدد وتفاوت بتعدد المجاهدين في التدبر وتتفاوت بتفاوت أقدارهم.
والبقاعي من بعد أن يلقي إليك ما قام في صدره من وجهي التناسب والتناسل في آيات هذا المعقد الممهدة لآيات المعقد التالي له يعمد إلى أن يقيم بين يديك ما قام في صدر"أبي الحسن الحرَالَّيِّ"من ذلك قائلا:
" وقال "الحرَالّيُّ" " ثُمّ أقبل الخطاب على بني إسرائيل منتظمًا بابتداء خطاب العرب من قوله (يأيها الناس) وكذلك انتظام القرآن إنما ينتظم رأس الخطاب فيه برأس خطاب آخر يناسبه في جملة معناه، وينتظم تفصيله بتفصيله، فكان أوَّل وأولى من خوطب بعد العرب الذين هم ختامٌ بنو إسرائيل الذين هم ابتداءٌ، بما هم أوّل من أنزل عليهم الكتاب