فتحرر أنَّ مقصود السورة الحثُّ على اتباع الكتاب، وهو يتضمن الحثَّ على اتّباع الرسولِ والدلالة على التوحيد والقدرة على البعثِ ببيان الأفعالِ الهائلةِ في ابتداءِ الخلقِ وإهلاكِ الماضينَ إشارة إلى أنَّ من لمْ يتبعه ويوحّدُ من أنزله على هذا الأسلوب الذي لايستطاعُ والمنهاج الذي وقفتْ دونه العقول والطباع لما قام من الأدلة على توحيده يعجز من سواه عن أقواله وأفعاله أوشك أن يعاجله قبل يوم البعث بعقاب مثل عقابِ الأمم السالفة والقرون الخالية مع ما ادّخر له في ذلك اليومِ من سَوءِ المُنْقلبِ ولإظْهار أثرِ الغضبِ " (١)
تراه في صدر السورة مُكَرِّسًا المقصود في معنى الإنذار، فهذا المعنى هو محور ما تدور عليه المعاني الكلية للسورة المكونة من معانِ جزئية تصورها جمل السورة وآياتُها
وفي تأويله الآية الثامنة ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (لأعراف: ٨) يجعل المقصود أعم من معنى الإنذار وإن كان قائما الإنذار في ذلك المقصود العام، فإنَّ في الإشارة إلى القدرة على البعث معنى الإنذار، لأنه لا معنى للبعث إذا لم يترتب عليه جزاء العباد على ما عملوا إن خيرًا وإن شرًا.
مجمل الأمر أنَّ البقاعي ذو حرصٍ على السعي إلى تحقيق المعنى الكليّ المهيمن على السورة التي هو بصدد تأويل بيانها وتبيان تناسب نظامها، وحريص على أن يكون لهذا المعنى وجود في معاقد السورة، وإن لطف أثره أحيانا في فقه المعانى الجزئية المكونة لمعاني المعاقد التي يتكون منها نظام السورة.
وهذا المنهاج من أهم ما يميز تفسير البقاعي عن غيره من التفاسير السابقة عليه بل اللاحقة له، فإنك لاتكاد تجد تفسيرًا كمثله في ذلك الحرص، والتتبع في كلّ سورة من سور القرآن الكريم كلّها.