وجعلَ رأسهم الرسول - ﷺ - تعظيمًا للمدح وترغيبًا في ذلك الوصف، فأخبر بإيمانهم بما أنزلَ إليه بخصوصه وبجميع الكتب وجميع الرسل، وبقولهم الدَّال على كمال الرغبة وغاية الضراعة والخضوع، فقال استئنافًا لجواب من كأنَّه قال: ما فعل من أنزلت عليه هذه الأوامر والنواهي وغيرها (آمن الرسول)...." (١)
ثُمَّ يقول من بعد تأويل الآيتين الأخيرتيتن ترتيلا:...
" وقدْ بَانَ بذِكْرِ المُنَزَّلِ والإيمانِ به والنصرة على الكافرين بعد تفصيل أمر النفقة والمال الذي ينفق من ردُّ مقْطَعِهَا عَلَى مطلَعِها، وآخرِهَا على أوَّلِها " (٢)
التناسب بين ما افتتحت به سورة البقرة تلاوة بالحديث عن القرآن الكريم والإيمان به وبالإنفاق والهدى والفلاح وما اختتمت به ترتيلا بالحديث عن إيمان الرسول - ﷺ - وإيمان المؤمنين بالقرآن الكريم وما كان منهم وما كان لهم هو جليّ لا ترى تكلفا في تقريره أو الإشارة إليه ولا غموضًا في بيان معالمه، فكلّ من نبهته من أهل النظر انتبه وسكن أمَّا أهل البصائر فهم في غنى عن تنبيه وإشارة.
وعلاقة ذلك بمقصود السورة وهو تقرير الإيمان بالغيب الذي أعلاه الإيمان بالله تعالى والإيمان باليوم الآخر وما فيه لاتخفى، فإنّ آخرها مقرِّرٌ الإيمان بما أنزل والإيمان بالله والملائكة والكتب التي لم يروها والإيمان بالرسل الذين لم يلقوهم لايفرقون بين أحد منهم يقينا بصدق الخبر عنهم، فكلّ هذا من الإيمان بالغيب، وهذا الدعاء والابتهال والرجاء بالنجاة يوم القيامة هو من الإيمان بالغيب، فتبين لك تناسب مقطع ترتيل السورة بمطلع تلاوتها من جهة وتناسلهما من المقصود الأعظم من جهة أخرى
***
وفي سورة "الأعراف" لايكتفي بردِّ آخر آية أو آيتين على مطلع السورة بل يرد ثمانيًا وعشرين آية من آخرها على أولها:
(٢) - االسابق: ٤/١٨٨