فإذا استعان بالله - سبحانه وتعالى - وأدام الطرق لباب الفرج بإنعام التأمل، وإظهار العجز والوثوق بأنَّه في الذروة من أحكام الربط، كما كان في الأوج من حسن المعنى واللفظ، لكونه كلام من جلَّ عن شوائب النقص، وحاز صفات الكمال إيمانا بالغيب، وتصديقًا للربّ قائلا ما قال الراسخون في العلم: ﴿رَبَّنَا لاتُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَديْتَنَا وَهبْ لَنا مِن لدُنْكَ رحمةإنِّكَ أنْتَ الوَهَّاب﴾ (آل عمران: ٨)، فانفتح له ذلك الباب، ولاحتْ له من ورائه بوارق أنوار تلك الأسرار رقصَ الفكر منه طربًا وشكروا لله استغرابًا وعجبا وشاط لعظمة ذلك جنانه، فرسخ من غير مرية إيمانه " (١)
إذا ما نظرنا في سورة "النحل" مثلا فإنَّا نراها من مقدمة وخاتمة وأربعة معاقد:
المقدمة من الأولى
والمعقد الأول من الآية الثانية إلى الحادية والعشرين (٢-٢١)
والثاني من الثانية والعشرين إلى الرابعة والستين (٢٢-٦٤)
والثالث من الخامسة والستين إلىالتاسعة والثمانين (٦٥-٨٩)
والرابع من الآية التسعين إلى الآية الرابعة والعشرين بعد المئة (٩٠- ١٢٤)
والخاتمة الآيات الأربع الأخيرة (١٢٥-١٢٨)
حين نتأمل نجد أنَّ "البقاعي قدجعل المعقد الثالث معطوفًا مطلعه على مقطع المعقد الأول أي الآية (٦٥) على الآية (١٩)
ووجه ذلك أنَّ المعقد الأول من سورة النحل معقود للتدليل بأنعم الله تعالى على وحدانيته وقدرته وعلمه وكماله
والمعقد الثالث معقود أيضًا لتأسيس ضرب جديد من التدليل بالنعم على وحدانيته.... استدلالاً يظهر فيه معنى الامتنان بينما آيات المعقد الأول كان التدليل أظهر من الامتنان
أمَّا آيات المعقد الثاني فهي كالجملة الاعتراضية بين المعقدين الأول والثالث، وآيات هذا المعقد الثالث قائمة ببيان ونقض اعتراضات المشركين، فهنالك تشاكلٌ بين موقع هذا المعقد الثالث ومضومونه، وهو ضرب من المشاكلة بين الوقع المضمون بديع.