وهو حين ينظر في التصريف البيانيّ للقصة الواحدة وتصويرها بصور بيانية متنوعة يشير إلى أنَّ " المقصود من حكاية القصص في القرآن الكريم إنّما هو المعاني [أي معاني الهدى التي بها الاعتبار "عبرة لأولي الألباب"] فلايضرّ اختلاف اللفظ إذا أدّى جميع المعنى أو بعضه، ولم يكن هناك مناقضة، فإنّ القصَّة كانت حين وقوعها بأوفى المعاني الواردة، ثمَّ إنَّ الله - سبحانه وتعالى - يُعبِّرُ لنا في كلّ سورة تذكر القصة فيها بما يناسب ذلك المقام في الألفاظ عمّا يليق من المعاني، ويترك مالا يقتضيه ذلك المقام. " (١)
في هذا إشارة إلى أن الذي يقص علينا ما كان وما يكون إنِّما هو العليم الخبير - جل جلاله -، فهو العليم بدقائق ولطائق المعاني المكنونة في الصدور التي يقصُّ أخبارها وما كان منها وما سيكون، وهو العليم بما يملك لسان العربية من قدرات الإبانة عن لطائف المعاني وشواردها وأوابدها
وكأني بـ"البقاعيّ" يستحضر في عقله هنا مقالة " أبي سليمان: حمد الخطابيّ" (ت: ٣٨٨هـ) التي يقول فيها:
" وإنّما تعذّر على البشرِ الإتيان بمثْلِه لأمورٍ منها:
أنّ علمَهم لايحيط بجميع أسماء اللغة العربية وبألفاظها التي هي ظروف المعاني والحوامل لها.
ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ٠ولا تكملُ معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض، فيتوصّلُ باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها إلى أنّ يأتوا بكلام مثله.." (٢)
(٢) – بيان إعجاز القرآن الكريم لأبي سليمان الخطابي: ٢٦ – ضمن كتاب ثلاث رسائل في إعجاز القرآن – ت: محمد خلف الله وزغلول سلام – ط: دار المعارف بمصر