وإنَّ من أشدَّ الفتن التي تهلك غير قليل من طُلاَّبِ العِلْمِ في زماننا فتنة إعلاء ذوى الأمر والسلطان من شأن أهل الفسق والعصيان وتقريبهم وتوليتهم كثيرًا من شؤون البلاد والعباد، وإغداق الأموال وصنوف التكريم عليهم وإبعاد أهل العلم والتقوى والتغافل عن تكريمهم إذا ما أحسنوا، فظنَّ صغار طلابُ العلمِ أنَّ في هذا ما يشفع لهم في الإعراض عن المجاهدة في باب العلم والمرابطة في ثغور الدعوة وتنوير القلوب بمعانى الهدى من الكتاب والسنة، وفيه ما يسوغ لهم الارتماء في أخضان إخوان الشياطين وتكثير سواد أهل الحل والعقد في شؤون البلاد، فتسارعوا إلى أبواب كل ذي سلطان وأعرضوا عن أبواب وراثة سيد المرسلين صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إنَّ مما يجدر بكلٍّ داعية إلى الله - سبحانه وتعالى - مجاهد بكلمة الحقّ مصاحبة سورة " العنكبوت" ترتيلا، وفقها، وتخلقًا بما فيها من معانى الهدي إلى الصراط المستقيم هي سورة قائمة بالتحريض على المجاهدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتصدي لباطل أهل الدنيا، فإنَّهم في باطلهم وإن بَدَوا في ظاهرِ النَّظرِ أقوياءَ مَنَعَةً، فهم في حقيقتهم يحتمون بما هو أوهى من بيت العنكبوت، لايتردَّى فيه إلا من خُدِعَ به أمَّا أهل البصيرة فإنهم القادرون على اجتثاثه.
﴿ألم*أَحَسِبَ النَاسُ أن يّتْرَكُوا أن يّقُولُوا آمنَّا وَهُمْ لايُفتَنُون * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذينَ مِنْ قَبْلِهمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت: ١-٢)
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: ٦٩)