بل جعل الله تبارك وتعالى من ميزاته أن يحفظ في الصدور، كما يسجل في السطور ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ (العنكبوت: ٤٩). وبذلك تحول مسجد المدينة المنورة إلى مدرسة قرآنية أولى، كما تحولت دور المهاجرين والأنصار إلى مدارس قرآنية، فكانت حلقات القرآن يدوّي بها المسجد دوياً كدوي النحل، بل إن بيوت أصحاب رسول الله ﷺ ليصبح لها ذلك الدوي حين يرجع إليها أصحابها فيتدارسون القرآن، مع أزواجهم وأولادهم.
يقول صلوات الله وسلامه عليه: "إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار" ١.
ومع انتشار الإسلام وذيوعه انتشرت المدرسة القرآنية، وعلا شأنها وبعد أن كانت في المساجد تملأ حلقاتها، أصبحت غرفاً ملحقة بالمساجد تستقبل الناشئة من أطفال المسلمين، ليكون القرآن الكريم أول ما يقرع آذانهم، وتتفتح عليه قلوبهم من أنواع الدراسات المختلفة قبل أن ينتقلوا إلى مراحل العلوم بعد ذلك.
وقد انتشرت تلك المدارس حيث ينتشر الإسلام. فأينما وجدت الجماعة الإسلامية وجدت المدرسة القرآنية، لا فرق بين بلاد تنطق بالعربية، وبلاد لا تنطق بها.
يقول ابن حزم:" مات رسول الله ﷺ والإسلام قد انتشر في جميع جزيرة العرب، وفي هذه الجزيرة من القرى والمدن ما لا يعرف عدده إلا الله،