والأركان لقبول القراءات من جهة ولاختيار طائفة من القراء النابهين يكتفي بهم عمن سواهم، فجاء ابن مجاهد - رحمه الله - واستصفى من هؤلاء القراء سبعة من الأئمة القراء في الأمصار الإسلامية، وألف هذا الكتاب النفيس مبيناً اختلافهم في القراءة، وعرض قراءاتهم وأئمتها إماماً إماماً، ذاكراً نسبهم وأساتذتهم الذين تلقوا عنهم القرآن الكريم، واصلاً بينهم وبين الرسول ﷺ فقدم للأمة الإسلامية عملاً جليلاً باهراً استجابت له ورضيته.
والحق أن ابن مجاهد حين اختار السبعة لم يسقط رواية من سواهم ولم يبطلها ولم يعتقد أن قراءات هؤلاء السبعة هي الحروف السبعة الواردة في الحديث، ولكن ذلك إنما اعتقده بعض الناس واهمين خلاف مراد ابن مجاهد، وهو إنما قصد أن ما سوى قراءات هؤلاء السبعة يأتي وراء السبعة في عدد من يقرؤون بها في الأمصار١.
وقد وضح ابن جني٢ في كتابه٣ "المحتسب" معنى الشذوذ عنده، وعند ابن مجاهد وأنه لا يعني الضعف، إنما يعني قلة القراءة به في الأمصار بالقياس إلى قراءات السبعة، على أن هذه القلة لا تعني عدم التواتر، وعدم الثقة في أئمتها. وعدم تداولها واعتماد العلماء لها.
والخلاصة أن ابن مجاهد اهتم بضبط الروايات وتحرير أوجه الخلاف والتمييز بين الطرق ووضوح العبارة والتخليص.
٢ هو أحد الأعلام المشهورين بالعلم والفضل واسمه عثمان بن جني الأزدي ولد بالموصل سنة ٣٢٢هـ وتوفي ٣٩٢هـ وله تسعة وأربعون كتاباً تقريباً. محقق كتاب المحتسب لابن جني ١/٥-١٥ والأعلام ٤/٢٠٤.
٣ المحتسب ١/١١، وكتاب السبعة ص ٢٢.