الفضيلةُ الخامسةُ: أنَّها متضمِّنة لمقاصِدِ الكتبِ المنزَّلةِ مِن السَّماءِِ كلِّها، فذكرَ ابنُ أبي حاتمٍ بإسناده عن الحَسنِ قال: أنزل الله سُبحانه أربعمائة كتاب وأربعة كتب، جَمَعَهَا في أربعةِ كتبٍ: التَّوراة والإنجيل والزَّبور والقرآن، وجمع الأربعة في القرآن، وجَمع القرآن في المفصَّل، وجَمع المفصَّل في الفاتحةِ وجمع عِلم الفاتحةِ في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ٍٍ ﴾.
وروى أبو عُبيدٍ في «كتابِه» بإسنادِه: عن الحسنِ عن النبيِّ - ﷺ - قال: «مَنْ قرأَ فاتحةَ الكتابِ فكأنَّما قرَأَ التَّوراةَ والإنجيلَ والزَّبورَ والفرقان»(١).
ويَشهَدُ لهذا تسميتُها: أمَّ الكتاب، وأمُّ الشيء: أصْلُهُ ومجتمعُه.
وبيان اشتمال هذه السُّورة على جميع مقاصدِ الكتب المنزَّلة على وَجه الاختصار:
أنَّ الله سبحانه وتعالى إنَّما أرسَل الرُّسَلَ وأنزلَ الكتبَ لدُعائِه الخلق إلى مَعرفتِه وتوحيدِه، وعبادتِه ومَحبتِه والقُربِ منهُ والإنابةِ إليه؛ هذا هو مقصُود الرِّسالة ولبُّها وقُطبُ رحاها الذي تدور عليه، وما ورَاءَ ذلك فإنَّها مُكملاتٌ ومُتمماتٌ ولواحقٌ؛ فكلُّ أحدٍ مفْتقِرٌ إلى معرفة ذلك عِلْمًا، والإتيانِ بهِ عملاً، فلا سَعَادةَ للعَبدِ ولا فلاحَ ولا نجاةَ بدون هذين المقصَدين.
وسورةُ الفاتحةِ مُشتملةٌ على مَقاصِد ذلك، لأنَّها تضمَّنت التَّعريف بالرَّبِّ سبحانه بثلاثة أسماءٍ ترجعُ سائرُ الأسماءِ إليها، وهي: (اللهُ) وَ(الرَّبُّ) و(الرَّحمنُ)، وبُنيَتِ السُّورةُ على الإِلهيَّة والرُّبوبيَّة والرَّحمة؛ فـ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ مَبْنيٌّ على الإِلهيَّة، و ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ مَبْنيٌّ على الرُّبوبيَّة، وطلبُ الهداية إلى صراطِه المستقيمِ مَبْنيٌّ على الرَّحمةِ، والحمدُ يتضمَّنُ الأمُورَ الثلاثة فهو تعالى محمودٌ على إلهيَّتِه ورُبوبيَّتِه ورَحمتِه.

(١) «فضائل القرآن» (١١٧).


الصفحة التالية
Icon