الفضيلةُ السَّادِسة: أنَّ سُورةَ الفاتحةِ شفاءٌ من كلِّ داءٍ، فهي شفاءٌ مِن الأمراضِ القلبيَّةِ، وشِفاءٌ من الأسقامِ البدَنيَّة؛ وقد تقدمَ عن أبي سعيدٍ عن النبيِّ - ﷺ - أنَّه قال: «فاتحةُ الكتابِ شفاءٌ من كلِّ داءٍ إلا السَّام»(١). والسِّرُّ في ذلك: أنَّ القرآنَ كلَّه شفاءٌ عامٌ، فهو شِفاءٌ لأدْوَاءِ القلوبِ من الجهلِ والشكِّ والرَّيبِ وغيرِ ذلك، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: ٥٧[.
وهو أيضاً شفاءٌ لأدْوَاءِ الأجسامِ، وقد وَصَفَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه شفاءٌ مُطلقٌ في غير موضعٍ، فقال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ﴾ [فصلت: ٤٤[، وقال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ ]الإسراء: ٨٢[، و (مِنْ) هُنا لبيانِ الجنسِ، لا للتبعيضِ.
وفي «سُنن ابنِ ماجه» من حديث عليٍّ - رضي الله عنه - عن النبيِّ - ﷺ - قال: «خَيرُ الدَّواءِ القرآن»(٢).
فالقرآنُ كلُّه شفاءٌ، والفاتحةُ أعظمُ سُورةٍ فيه، فلها من خصوصيَّة الشِّفاءِ ما ليس لغيرِها، ولم يَزْل العارفون يتَداوَون بها من أسقامِهم، ويجدون تأثيرَها في البُرْءِ والشِّفَاءِ عاجلاً؛ ولكن ها هُنا نُكتةٌ ينبغي التفطُّنُ لها، وهي: أنَّ الرُّقا والتَّعاوِيذ بمنزلةِ السِّلاح، والسِّلاحُ يَحتاجُ تأثيرُهُ إلى قوّةِ الضَّاربِ به، وكون المحلّ قابلاً للتأثير، فالسِّلاَحُ بضارِبِه لا بحدِّهِ، فمتى كان السِّلاحُ سِلاحًا تامًا في نفسِه لا آفةَ فيه، والسَّاعِدُ الضَّارِبُ به قويٌّ، والمضرُوبُ به قابلٌ للقطعِ = أثَّر القطع لا مَحالة، ومتى تخلَّفَ شيءٌ من هذه الثَّلاثةِ = تخلَّف تأثيرُه.
(٢) «سنن ابن ماجه» (٣٥٠١).