والقولُ الثاني: أنَّها ليست من فرُوض الصَّلاةِ، بل تجزئُ قراءةُ غيرِها في الجُملة، وهذا قولُ طائفةٍ من فقهاءِ العراق، ثم اختلفوا في القدرِ المجزئ مِن القراءةِ:
فقيل: تجزئُ قراءةُ ثلاثِ آياتٍ، وهو محكيٌّ عن سعيدِ بنِ جبيرٍ.
وقيل: بل ثلاثُ آياتٍ قِصَارٍ، أو آيةٌ طويلةٌ تعدِِلهُنَّ، وهو قولُ أبي يوسفَ ومحمدٍ.
وقيل: بل تجزئُ قراءةُ آيةٍ واحدة مُطلقًا، وهو المحكيُّ عن أبي حَنيفة وذكرهُ طائفةٌ من أصحابِنا روايةً عن أحمد، وأنَّ حَربًا نَقلَها عنه، فذكر القاضي في «الجامِع الكبيرِ» أنَّه وجد بخطِ بعضِ أصحابنا: [ ](١) وكتابِ أبي إسحاقَ بنِ شاقْلاَ(٢) أخبَرنا أبو بكر عبدُ العزيز حدَّثني الخلاَّلُ ثنا حربٌ الكرمانيُّ قال: قلتُ لأبي عبدِ الله: رجلٌ قرأَ بآيةٍ من القرآنِ ولم يقرأ فاتحةَ الكتابِ ؟ قال: الصَّلاةُ جائزةٌ. قلت: قال النبيُّ - ﷺ -: «لا صلاة إلا بفاتحةِ الكتابِ». قال: على طريقِ الفضلِ لا على طريقِ الإيجابِ.
قال القاضِي: وهذا صَريحٌ في أنَّ الصَّلاةَ تصحُّ بغير الفاتحة، وأنَّها لا تتعيّن لها.
وهذه الرِّواية مَذكورةٌ في «جَامِع الخلاَّل» على غير هذِه الصِّفة، وقد نقلتُ من خطِّ القاضِي مما انتقاهُ من «الجامِعِ»، قال: نقل حربٌ عنه: إذا نَسِي أن يَقرأ فاتحةَ الكتابِ فَقرأ قرآناً، فقال: وما بأس بذلك، أليس قد قرأ قُرآنًا ؟! قال الخلاَّل: الذي رَواهُ حَربٌ قد رَجَع أحمدُ عنه.
(٢) قال في "المطلع" (٤٣٠): (شاقلا: بالشين المعجمة، القاف الساكنة بعد الألف، وآخره ألف ساكنة، هكذا قيدناه عن بعض شيوخنا، وكذا سمعته من غير واحد منهم، والله أعلم) ا. هـ.