والقول الثاني: أنَّه عامٌّ يتناوَلُ نفي الذَّات ونفي الحُكم والصِّفة، فإذا خصّ نفي الذَّات بالعقل = بقي ما عَداهُ، وهذا الذي حكاهُ أبو المعالي الجُوَيني عن جمهور الفقهاءِ، وهو مَبنيٌّ على: أنَّ النفي لا يتوجه إلى المسمَّى الشَّرعي، بل إلى اللغويِّ، وفي نسبته إلى أكثر الفقهاءِ نظرٌ، لأنَّ أكثرَهم يُثبتُ الشَّرعيَّة.
والقولُ الثَّالثُ: أنَّه يَنصرفُ إلى الشَّرعيِّ، لكنَّه عامٌّ في نفي الذَّاتِ والصِِّحَّة والكمال.
والقولُ الرابعُ: أنَّه ظاهرٌ في نفي الصِّحَّة، ولا ينصرفُ إلى نفي الكمال إلاَّ بدَليلٍ، وهذا قولُ أكثر المحقِّقين من أصحابِنا وأصحابِ الشَّافعيِّ، وهو الذي يَدُلُ عليه كلامُ أحمدَ في أكثر الرِّواياتِ عنه.
والقولُ الخامسُ: أنَّ نفي المسميَّات الشَّرعيَّة لأمرٍ متعلِّقٍ بها يَدُلُّ على وجوب ذلك الأمر الذي انتفت لأجله، فإنَّ الشيءَ إنَّما يجوزُ نفيُه لانتفاءِ وَاجبٍ من واجباتِه، ولا يجوز نفيُه لانتفاءِ سُنَّةٍ من مَسنُونَاتِه، إذ لو جاز ذلك لجاز نفيُ صلاة أكثر المسلمين وصيامهم وحجهم، فإنَّ اجتماعَ جميع سُنن العبادة فيها مِن أَندَرِ الأمُورِ، ومعلومٌ أنَّه لا يجوزُ أن يقال: لا صلاة لمن لم يُسبِّح في رُكوعِه وسجُودِه ثلاثًا، ولا صَلاة لمن لم يَقرأ في الصُّبحِ بطِوَالِ المفصَّل، ولا صَلاة لمن لم يَتوضّأ ثلاثًا، ونحو ذلك، وحقيقة هذا القول يَرجعُ إلى أنَّ المراد بهذا النفي = نفي الكمال، لكن نفي كمال الواجباتِ، لا كمال المستحبات، وهذا اختيارُ أبي العباس ابن تيميَّة(١)، وهو الأرجح؛ والله أعلمُ(٢).
* * *
فصلٌ
في الكلامِ على قولِه:
(٢) لم يُذكر هنا إلا حكم واحد من أحكام الفاتحة، فالذي يبدو – والله أعلم – أنه قد وقع هنا خرم، وقد سبق في مقدمة التحقيق ذكر بعض النقول عن هذا الكتاب، ومنها ما يتعلق بأحكام الفاتحة.