وقيل: الحمدُ: هو الشكر على النِّعم، قالَه ابنُ جريرٍ والمبرَّدُ، وغيرُهما وأسنده ابنُ جريرٍ مرفوعًا إلى النبيِّ - ﷺ -، وموقوفًا على ابنِ عبَّاسٍ(١).
ولكن بين الحمدِ والشُكرِ فرقٌ من وَجهين:
أحدُهما: أن الحمدَ يكون على النِّعم وغيرِها، بخلاف الشُكر فإنَّه لا يكونُ إلاَّ على النِّعم.
وقد نازع في ذلك مَنْ نازع: أن(٢) جميعَ أفعالِ الله عزَّ وجَلَّ نِعَمٌ.
والثاني: أنَّ الحمدَ يكون باللسان والقلب، والشَّكر يكون باللسان والقلب والعمل، وقيل: الحمد هو [ ](٣) الرضا [ ](٤) فإِن أُريدَ به: أنَّ الحمدَ باللسان ليسَ بحمدٍ فباطلٌ، وإن أُريدَ: أنَّ الرِّضا شطرُه فصَحيحٌ، وإن أُريدَ: أنَّ الرِّضا بالقلب يكونُ حَمدًا كما قال العِمانيُ ففيه نظرٌ.
وهل يختصُّ الحمدُ بلفظ الحمد، أو يكونُ بأعمّ منه ؟ فيه خلاف، الصحيحُ عمُومُه.
والتحقيقُ: أنَّ الحمدَ: هو ارتضاء صفاتِ المحمُودِ الحسنة والإخبارُ عنها باللسان، فهو إذًا: الإخبارُ بمحاسن المحمود مع المحبَّة لها والرِّضا بها.
والحمدُ يكون على النِّعَم بالاتفاق، ويكونُ على غير النِّعَم أيضًا على المشهور من الأفعال الحسَنةً وإن لم تكن نعمًا على الحامد، بخلاف الشُّكر فإنَّه لا يكونُ إلاَّ على النِّعم، هذا هو المشهورُ.
ولكن التحقيق أنَّ جميعَ ما يفعلُه اللهُ سبحانه فهو نعمة أو فيه مِن النِّعمة ما يَستحق به الحمدَ والشُّكرَ، فإنَّ المصائبَ والأمراضَ كفاراتٌ وطَهُورٌ، فهي نعمةٌ، وإهلاكُ المكذِّبين وعُقوبةُ الكافِرين نِعمةٌ على المؤمنين يحصلُ لهم بها الاعتبارُ، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن: ١٣] والآلاءُ: النِّعَمُ، قاله بعدَ ذِكر جهنمَ وغيرها.

(١) «جامع البيان» (١/٥٩).
(٢) كذا.
(٣) كلمة (هو) مكررة في الأصل، فحذفتها.
(٤) بياض في الأصل بمقدار خمس كلمات.


الصفحة التالية
Icon