الاحول - ويلقب بزق العسل - قال سمعت قتادة يقول: يا بن آدم، إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا عن نشاط فإن نفسك مائلة إلى السآمة والفترة والملة، ولكن المؤمن هو المتحامل (١)، والمؤمن هو المتقوي، والمؤمن هو المتشدد، وإن المؤمنين هم العجاجون (٢) إلى الله الليل والنهار، والله ما يزال المؤمن يقول: ربنا ربنا في السر والعلانية حتى استجاب لهم في السر والعلانية.
الثانية - قوله تعالى: (بالغيب) الغيب في كلام العرب كل ما غاب عنك، وهو من ذوات الياء، يقال منه: غابت الشمس تغيب، والغيبة معروفة.
وأغابت المرأة فهي مغيبة إذا غاب عنها زوجها، ووقعنا في غيبة وغيابة، أي هبطة من الارض، والغيابة: الاجمة، وهي جماع الشجر يغاب فيها، ويسمى المطمئن من الارض: الغيب، لانه غاب عن البصر.
الثالثة - واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا، فقالت فرقة: الغيب في هذه الآية: الله سبحانه.
وضعفه ابن العربي.
وقال آخرون: القضاء والقدر.
وقال آخرون: القرآن وما فيه من الغيوب.
وقال آخرون: الغيب كل ما أخبر به الرسول عليه السلام مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار.
قال ابن عطية: وهذه الاقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها.
قلت: وهذا هو الايمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل عليه السلام حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فأخبرني عن الايمان.
قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره).
قال: صدقت.
وذكر الحديث.
وقال عبد الله بن مسعود: ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، ثم قرأ: " الذين يؤمنون بالغيب " [ البقرة: ٣ ].
قلت: وفي التنزيل: " وما كنا غائبين (٣) " وقال: " الذين يخشون ربهم بالغيب (٤) ".
فهو سبحانه غائب عن الابصار، غير مرئي في هذه الدار، غير غائب بالنظر والاستدلال،

(١) تحامل في الامر وبه: تكلفه على مشقة وإعياء.
(٢) العج: رفع الصوت بالتلبية.
(٣) سورة الاعراف آية ٧.
(٤) سورة الانبياء آية ٤٩.
(*)


الصفحة التالية
Icon