وأن الله تعالى يرزقهم مع كونهم غير مالكين، فعلم أن الرزق ما قلناه لا ما قالوه.
والذي يدل على أنه لا رازق سواه قوله الحق: " هل من خالق غير الله يرزقكم (١) من السماء والارض " [ فاطر: ٣ ] وقال: " إن الله هو الرزاق (٢) ذو القوة المتين " [ الذاريات: ٥٨ ] وقال: " وما من دابة (٣) في الارض إلا على الله رزقها " [ هود: ٦ ] وهذا قاطع، فالله تعالى رازق حقيقة وابن آدم رازق تجوزا، لانه يملك ملكا منتزعا كما بيناه في الفاتحة (٤)، مرزوق حقيقة كالبهائم التي لا ملك لها، إلا أن الشئ إذا كان مأذونا له في تناوله فهو حلال حكما، وما كان منه غير مأذون له في تناوله فهو حرام حكما، وجميع ذلك رزق.
وقد خرج بعض النبلاء من قوله تعالى: " كلوا من رزق ربكم (٥) واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور " [ سبأ: ١٥ ] فقال: ذكر المغفرة يشير إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام.
الثالثة والعشرون - قوله تعالى: " ومما رزقناهم " الرزق مصدر رزق يرزق رزقا ورزقا، فالرزق بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم، وجمعه أرزاق، والرزق: العطاء.
والرازقية: ثياب كتان [ بيض ] (٦).
وارتزق الجند: أخذوا أرزاقهم.
والرزقة: المرة الواحدة، هكذا قال أهل اللغة.
وقال ابن السكيت: الرزق بلغة أزد شنوءة: الشكر، وهو قوله عزوجل: " وتجعلون (٧) رزقكم أنكم تكذبون " [ الواقعة: ٨٢ ] أي شكركم التكذيب.
ويقول: رزقني أي شكرني.
الرابعة والعشرون - قوله تعالى: " ينفقون " ينفقون: يخرجون.
والانفاق: إخراج المال من اليد، ومنه نفق البيع: أي خرج من يد البائع إلى المشتري.
ونفقت الدابة: خرجت روحها، ومنه النافقاء لجحر اليربوع الذي يخرج منه إذا أخذ من جهة أخرى.
ومنه المنافق، لانه يخرج من الايمان أو يخرج الايمان من قلبه.
ونيفق السراويل معروفة وهو مخرج الرجل منها.
ونفق الزاد: فنى وأنفقه صاحبه.
وأنفق القوم: فني زادهم، ومنه قوله تعالى: " إذا لامسكتم خشية الانفاق (٨) " [ الاسراء: ١٠٠ ].
(٢) راجع ج ١٧ ص ٥٥ (٣) راجع ج ٩ ص ٦ فما بعد.
(٤) راجع ص ١٤٠ فما بعدها من هذا الجزء.
(٥) راجع ج ١٤ ص ٢٨٤ (٦) الزيادة عن اللسان مادة (رزق).
(٧) ج ١٧ ص ٢٢٨ فما بعد.
(٨) راجع ج ١٠ ص ٣٣٥ (*)