وأنا على يقين منه.
وإنما صارت الياء واوا في قولك: موقن، للضمة قبلها، وإذا صغرته رددته
إلى الاصل فقلت مييقن والتصغير يرد الاشياء إلى أصولها وكذلك الجمع.
وربما عبروا باليقين عن الظن، ومنه قول علمائنا في اليمين اللغو: هو أن يحلف بالله على أمر يوقنه ثم يتبين له أنه خلاف ذلك فلا شئ عليه، قال الشاعر: (١) تحسب هواس وأيقن أنني * بها مفتد من واحد لا أغامره يقول: تشمم الاسد ناقتي، يظن أنني مفتد بها منه، وأستحمي نفسي فأتركها له ولا أقتحم المهالك بمقاتلته فأما الظن بمعنى اليقين فورد في التنزيل وهو في الشعر كثير، وسيأتي.
والآخرة مشتقة من التأخر لتأخرها عنا وتأخرنا عنها، كما أن الدنيا مشتقة من الدنو، على ما يأتي.
قوله تعالى: أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون (٥) قال النحاس أهل نجد يقولون: ألاك، وبعضهم يقول: ألا لك، والكاف للخطاب.
قال الكسائي: من قال أولئك فواحده ذلك، ومن قال ألاك فواحده ذاك، وألالك مثل أولئك، وأنشد ابن السكيت: ألا لك قومي لم يكونوا أشابة (٢) * وهل يعظ الضليل إلا ألالكا وربما قالوا: أولئك في غير العقلاء، قال الشاعر: ذم المنازل بعد منزلة اللوى * ووالعيش بعد أولئك الايام وقال تعالى: " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا (٣) " [ الاسراء: ٣٦ ] وقال علماؤنا: إن في قوله تعالى: " من ربهم " ردا على القدرية في قولهم: يخلقون إيمانهم وهداهم، تعالى الله عن قولهم ولو كان كما قالوا لقال: " من أنفسهم "، وقد تقدم الكلام فيه (٤) وفي الهدى (٥) فلا معنى لاعادة ذلك.
(وأولئك هم المفلحون) " هم " يجوز أن يكون مبتدأ ثانيا وخبره " المفلحون "، والثاني وخبره خبر الاول، ويجوز أن تكون " هم " زائدة - يسميها البصريون فاصلة والكوفيون عمادا - و " المفلحون " خبر " أولئك ".
(٢) الاشابة من الناس: الاخلاط.
والاشابة في الكسب: ما خالطه الحرام الذي لا خير فيه والسحت.
(٢) راجع ج ١٠ ص ٢٥٩
(٤) راجع المسألة الحادية والثلاثين ص ١٤٩.
(٥) راجع المسألة الثانية ص ١٦٠ من هذا الجزء.
(*)