القول الثاني: قال أصحاب الشافعي: إنما لم يقتلهم لان الزنديق وهو الذي يسر الكفر ويظهر الايمان يستتاب ولا يقتل.
قال ابن العربي: وهذا وهم، فإن النبي ﷺ لم يستتبهم ولا نقل ذلك أحد، ولا يقول أحد إن استتابة الزنديق واجبة (١) وقد كان النبي ﷺ معرضا عنهم مع علمه بهم.
فهذا المتأخر من أصحاب الشافعي الذي قال: إن استتابة الزنديق جائزة (٢) قال قولا لم يصح لاحد.
القول الثالث: إنما لم يقتلهم مصلحة لتأليف القلوب عليه لئلا تنفر عنه، وقد أشار ﷺ إلى هذا المعنى بقوله لعمر: (معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي) أخرجه البخاري ومسلم.
وقد كان يعطي للمؤلفة قلوبهم مع علمه بسوء اعتقادهم تألفا، وهذا هو قول علمائنا وغيرهم.
قال ابن عطية.
وهي طريقة أصحاب مالك رحمه الله في كف رسول الله ﷺ عن المنافقين، نص على هذا محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والابهري وابن الماجشون، واحتج بقوله تعالى: " لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض (٣) " [ الاحزاب: ٦٠ ] إلى قوله: " وقتلوا تقتيلا " [ الاحزاب: ٦١ ].
قال قتادة: معناه إذا هم أعلنوا النفاق.
قال مالك
رحمه الله: النفاق في عهد رسول الله ﷺ هو الزندقة فينا اليوم، فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة، وهو أحد قولي الشافعي.
قال مالك: وإنما كف رسول الله ﷺ عن المنافقين ليبين لامته أن الحاكم لا يحكم بعلمه، إذ لم يشهد على المنافقين.
قال القاضي إسماعيل: لم يشهد على عبد الله (٤) ابن أبي إلا زيد بن أرقم وحده، ولا على الجلاس (٥) بن سويد إلا عمير بن سعد ربيبه، ولو شهد على أحد منهم رجلان بكفره ونفاقه لقتل.
وقال الشافعي رحمه الله محتجا للقول الآخر: السنة فيمن شهد عليه بالزندقة فجحد

(١) الذي في كتاب الاحكام لابن العربي: (... أن استتابة الزنديق غير واجبة).
(٢) كذا في الاصول وكاتب الاحكام لابن العربي.
ولعل صواب العبارة: (إن استتابة الزنديق واجبة).
(٣) راجع ج ١٤ ص ٢٤٥ (٤) سيذكر الامام القرطبي قصته عند تفسير سورة (المنافقون).
(٥) كان متهما بالنفاق، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى: (يحلفون بالله ما قالوا) الآية.
وستأتي قصته عند تفسير هذه الآية في سورة (براءة) إن شاء الله تعالى.
وقد أوردها ابن هشام في سيرته ص ٣٥٥ طبع أوربا، وابن عبد البر في الاستيعاب ج ١ ص ٩٧ طبع الهند.
(*)


الصفحة التالية
Icon