قد حتم عذابهم، فهذا على تأمل البشر كأنه استهزاء ومكر وخداع، ودل على هذا التأويل قوله ﷺ (إذا رأيتم الله عزوجل يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج).
ثم نزع بهذه الآية: " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون (١) فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " [ الانعام: ٤٤ - ٤٥ ].
وقال بعض العلماء في قوله تعالى: " سنستدرجهم من (٢) حيث لا يعلمون ": [ الاعراف: ١٨٢ ] كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة.
قوله تعالى: (ويمدهم) أي يطيل لهم المدة ويمهلهم ويملي لهم، كما قال: " إنما نملي (٣) لهم ليزدادوا إثما " [ آل عمران: ١٧٨ ] وأصله الزيادة.
قال يونس بن حبيب: يقال مد لهم في الشر، وأمد في الخير، قال الله تعالى: " وأمددناكم بأموال وبنين (٤) ".
[ الاسراء: ٦ ].
وقال: " وأمددناهم بفاكهة (٥) ولحم مما يشتهون " [ الطور: ٢٢ ].
وحكى عن الاخفش: مددت له إذا تركته، وأمددته إذا أعطيته.
وعن الفراء واللحياني: مددت، فيما كانت زيادته من مثله، يقال: مد النهر [ النهر ] (٦)، وفي التنزيل: " والبحر يمده (٧) من بعده سبعة أبحر " [ لقمان: ٢٧ ].
وأمددت، فيما كانت زيادته من غيره، كقولك: أمددت الجيش بمدد، ومنه: " يمددكم (٨) ربكم بخمسة آلاف من الملائكة ".
[ آل عمران: ١٢٥ ].
وأمد الجرح، لان المدة من غيره، أي صارت فيه مدة.
قوله تعالى: (في طغيانهم) كفرهم وضلالهم.
وأصل الطغيان مجاوزة الحد، ومنه قوله تعالى: " إنا لما طغى (٩) الماء " [ الحاقة: ١١ ] أي ارتفع وعلا وتجاوز المقدار الذي قدرته الخزان.
وقوله في فرعون: " إنه طغى " (١٠) [ طه: ٢٤ ] أي أسرف في الدعوى حيث قال: " أنا ربكم الاعلى " [ النازعات: ٢٤ ].
والمعنى في الآية: يمدهم بطول العمر حتى يزيدوا في الطغيان فيزيدهم في عذابهم.
قوله تعالى: (يعمهون) يعمون.
وقال مجاهد: أي يترددون متحيرين في الكفر.
وحكى أهل اللغة: عمه الرجل يعمه عموها وعمها فهو عمه وعامه إذا حار، ويقال رجل عامه

(١) راجع ج ٦ ص ٤٢٦ وقد ذكر القرطبي هنالك الحديث برواية تختلف في بعض اللفظ، وفيه: ثم تلا (فلما نسوا) الآية بدل نزع (٢) راجع ج ٧ ص ٣٢٩ (٣) راجع ج ٤ ص ٢٨٧ (٤) راجع ج ١٠ ص ٢١٧ (٥) راجع ج ١٧ ص ٦٨ (٦) الزيادة عن اللسان مادة (مد).
(٧) راجع ج ١٤ ص ٧٦ (٨) راجع ج ٤ ص ١٩٠ (٩) راجع ج ١٨ ص ٢٦٣ (١٠) راجع ج ١٩ ص ١٩٩ (*)


الصفحة التالية
Icon