" استوى " بمعنى أقبل صحيح، لان الاقبال هو القصد إلى خلق السماء، والقصد هو الارادة، وذلك جائز في صفات الله تعالى.
ولفظة " ثم " تتعلق بالخلق لا بالارادة.
وأما ما حكى عن ابن عباس فإنما أخذه عن تفسير الكلبي، والكلبي ضعيف.
وقال سفيان بن عيينة وابن كيسان في قوله " ثم استوى إلى السماء ": قصد إليها، أي بخلقه واختراعه، فهذا قول.
وقيل: على دون تكييف ولا تحديد، واختاره الطبري.
ويذكر عن أبي العالية الرياحي في هذه الآية أنه يقال: استوى بمعنى أنه ارتفع.
قال البيهقي: ومراده من ذلك - والله أعلم - ارتفاع أمره، وهو بخار الماء الذي وقع منه خلق السماء.
وقيل: إن المستوى الدخان.
وقال ابن عطية: وهذا يأباه وصف الكلام.
وقيل: المعنى استولى، كما قال الشاعر: (١) قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق قال ابن عطية: وهذا إنما يجئ في قوله تعالى: " الرحمن على العرش استوى " [ طه: ٥ ].
قلت: قد تقدم في قول الفراء علي وإلي بمعنى.
وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في سورة " الاعراف (٢) " إن شاء الله تعالى.
والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع الحركة والنقلة.
السادسة - يظهر من هذه الآية أنه سبحانه خلق الارض قبل السماء، وكذلك في " حم السجدة (٣) ".
وقال في النازعات: " أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها (٤) " [ النازعات: ٢٧ ] فوصف خلقها، ثم قال: " والارض بعد ذلك دحاها " [ النازعات: ٣٠ ].
فكأن السماء على هذا خلقت قبل الارض، وقال تعالى " الحمد لله الذي خلق السموات والارض (٥) " [ الانعام: ١ ] وهذا قول قتادة: إن السماء
خلقت أولا، حكاه عنه الطبري.
وقال مجاهد وغيره من المفسرين: إنه تعالى أيبس الماء الذي كان عرشه عليه فجعله أرضا وثار منه دخان فارتقع، فجعله سماء فصار خلق الارض قبل خلق السماء، ثم قصد أمره إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا (٦) الارض بعد ذلك، وكانت إذ خلقها غير مدحوة.

(١) هو الاخطل كما في شرح القاموس.
(٢) راجع ج ٧ ص ٢١٩.
(٣) راجع ج ١٥ ص ٣٤٣.
(٤) راجع ج ١٩ ص ٢٠١.
(٥) راجع ج ٦ ص ٣٨٤.
(٦) دحا الشئ: بسطه.
(*)


الصفحة التالية
Icon