قلت: وقول قتادة يخرج على وجه صحيح إن شاء الله تعالى، وهو أن الله تعالى خلق أولا دخان السماء ثم خلق الارض، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواها، ثم دحا الارض بعد ذلك.
ومما (١) يدل على أن الدخان خلق أولا قبل الارض ما رواه السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله ﷺ في قوله عزوجل: " هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات " [ البقرة: ٢٩ ] قال: إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء، فسما عليه، فسماه سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين، في الاحد والاثنين.
فجعل الارض على حوت - والحوت هو النون الذي ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن بقوله: " ن والقلم (٢) " [ القلم: ١ ] والحوت في الماء و [ الماء (٣) ] على صفاة (٤)، والصفاة على ظهر ملك، والملك على الصخرة، والصخرة في الريح - وهي الصخرة التي ذكر لقمان: ليست في السماء ولا في الارض - فتحرك الحوت فاضطرب، فتزلزلت الارض، فأرسل عليها الجبال فقرت، فالجبال تفخر على الارض، وذلك قوله تعالى: " وألقى في الارض رواسي أن تميد بكم (٥) " [ النحل: ١٥ ] وخلق الجبال فيها، وأقوات أهلها وشجرها، وما ينبغي لها
في يومين، في الثلاثاء والاربعاء، وذلك حين يقول: " قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين.
وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين (٦) " [ فصلت: ٩، ١٠ ] يقول: من سأل فهكذا الامر، " ثم استوى إلى السماء وهي دخان " وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس، فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين، في الخميس والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لانه جمع
(٢) راجع ج ١٨ ص ٢٢٣.
(٣) تكملة عن تفسير الطبري وتاريخه.
(٤) الصفاة: العريض من الحجارة الاملس.
(٥) راجع ج ١٠ ص ٩٠.
(٦) راجع ج ١٥ ص ٣٤٢.
(*)