لما جاز بعثة نبيين في عصر واحد ولم يؤد ذلك إلى إبطال النبوة كانت الامامة أولى، ولا تؤدي ذلك إلى إبطال الامامة.
والجواب أن ذلك جائز لولا منع الشرع منه، لقوله: (فاقتلوا الآخر منهما) ولان الامة عليه.
وأما معاوية فلم يدع الامامة لنفسه وإنما ادعى ولاية الشام بتولية من قبله من الائمة.
ومما يدل على هذا إجماع الامة في عصرهما على أن الامام أحدهما، ولا قال أحدهما إني إمام ومخالفي إمام.
فإن قالوا: العقل لا يحيل ذلك وليس في السمع ما يمنع منه.
وقلنا: أقوى السمع الاجماع، وقد وجد على المنع.
قوله تعالى: (قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها) قد علمنا قطعا أن الملائكة لا تعلم إلا ما أعلمت ولا تسبق بالقول، وذلك عام في جميع الملائكة، لان قوله: " لا يسبقونه بالقول "
خرج على جهة المدح لهم، فكيف قالوا: " أتجعل فيها من يفسد فيها " ؟ فقيل: المعنى أنهم لما سمعوا لفظ خليفة فهموا أن في بني آدم من يفسد، إذ الخليفة المقصود منه الاصلاح وترك الفساد، لكن عمموا الحكم على الجميع بالمعصية، فبين الرب تعالى أن فيهم من يفسد ومن لا يفسد فقال تطييبا لقلوبهم: " إني أعلم " وحقق ذلك بأن علم آدم الاسماء، وكشف لهم عن مكنون علمه.
وقيل: إن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء.
وذلك لان الارض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم وألحقهم بالبحار ورؤوس الجبال، فمن حينئذ دخلته العزة.
فجاء قولهم: " أتجعل فيها " على جهة الاستفهام المحض: هل هذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن أم لا ؟ قال أحمد بن يحيى ثعلب.
وقال ابن زيد وغيره.
إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذريته قوم يفسدون في الارض ويسفكون الدماء، فقالوا لذلك هذه المقالة، إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه أو من عصيان الله من يستخلفه في أرضه وينعم عليه بذلك، وإما على طريق الاستعظام والاكبار للفصلين جميعا: الاستخلاف والعصيان.
وقال قتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا جعل في الارض خلقا أفسدوا وسفكوا الدماء، فسألوا حين قال تعالى: " إني جاعل في الارض خليفة " أهو الذي أعلمهم أم غيره.