الاستاذ أبو إسحاق الاسفرايني: واختلفوا في الصغائر، والذي عليه الاكثر أن ذلك غير جائز عليهم، وصار بعضهم إلى تجويزها، ولا أصل لهذه المقالة.
وقال بعض المتأخرين ممن ذهب إلى القول الاول: الذي ينبغي أن يقال إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها، وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها وأشفقوا منها وتابوا، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها وإن قبل ذلك آحادها، وكل ذلك مما لا يزري
بمناصبهم، وإنما تلك الامور التي وقعت منهم على جهة الندور وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات وفي حقهم سيئات، [ بالنسبة ] إلى مناصبهم وعلو أقدارهم، إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس، فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة مع علمهم بالامن والامان والسلامة.
قال: وهذا هو الحق.
ولقد أحسن الجنيد حيث قال: حسنات الابرار سيئات المقربين.
فهم - صلوات الله وسلامه عليهم - وإن كان قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم فلم يخل ذلك بمناصبهم ولا قدح في رتبهم، بل قد تلافاهم واجتباهم وهداهم ومدحهم وزكاهم واختارهم واصطفاهم، صلوات الله عليهم وسلامه.
الثالثة عشرة - قوله تعالى: (فتكونا من الظالمين) الظلم أصله وضع الشئ في غير موضعه.
والارض المظلومة: التي لم تحفر قط ثم حفرت.
قال النابغة.
وقفت فيها أصيلا لا وأسائلها * عيت جوابا وما بالربع من أحد إلا الاواري لايا ما أبينها * والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد (١) ويسمى ذلك التراب الظليم.
قال الشاعر: فأصبح في غبراء بعد إشاحة (٢) * على العيش مردود عليها ظليمها

(١) الاواري (واحدها آرى) حبل تشد به الدابة في محسبها.
واللاى: المشقة والجهد.
والنؤى: حفرة حول البيت لئلا يصل إليه الماء.
والجلد (بالتحريك): الارض الصلبة.
راجع خزانة الادب في إعرابه.
(٢) الاشاحة: الحذر والخوف لمن حاول أن يدفع الموت.
قال صاحب اللسان: (يعني حفرة القبر يرد ترابها عليه بعد دفن الميت فيها).
(*)


الصفحة التالية
Icon