" فوسوس لهما الشيطان " والوسوسة إنما هي إدخالهما في الزلل بالمعصية، وليس للشيطان قدرة على زوال أحد من مكان إلى مكان إنما قدرته [ على ] إدخاله في الزلل، فيكون ذلك سببا إلى زواله من مكان إلى مكان يذنبه.
وقد قيل: إن معنى أزلهما من زل عن المكان إذا تنحى، فيكون في المعنى كقراءة حمزة من الزوال.
قال امرؤ القيس: يزل الغلام الخف عن صهواته * ويلوي بأثواب العنيف المثقل (١) وقال أيضا: كميت يزل اللبد عن حال متنه * كما زلت الصفواء بالمتنزل (٢) الثانية - قوله تعالى: " فأخرجهما مما كانا فيه " إذا جعل أزال من زال عن المكان فقوله: " فأخرجهما " تأكيد وبيان للزوال، إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر من الجنة، وليس كذلك، وإنما كان إخراجهما من الجنة إلى الارض، لانهما خلقا منها، وليكون آدم خليفة في الارض.
ولم يقصد إبليس - لعنه الله - إخراجه منها وإنما قصد إسقاطه من مرتبته وإبعاده كما أبعد هو، فلم يبلغ مقصده ولا أدرك مراده، بل ازداد سخنة (٣) عين وغيظ نفس وخيبة ظن.
قال الله جل ثناؤه: " ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى " (٤) [ طه: ١٢٢ ] فصار عليه السلام خليفة الله في أرضه بعد أن كان جارا له في داره، فكم بين الخليفة والجار ! صلى الله عليه وسلم.
ونسب ذلك إلى إبليس، لانه كان بسببه وإغوائه.
ولا خلاف بين أهل التأويل وغيرهم أن إبليس كان متولي إغواء آدم، واختلف في الكيفية، فقال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء أغواهما مشافهة، ودليل ذلك قوله تعالى: " وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " والمقاسمة ظاهرها المشافهة.
وقال بعضهم، وذكره عبد الرزاق عن وهب بن منبه،: دخل الجنة في فم الحية وهى ذات أربع كالبختية من أحسن دابة خلقها الله تعالى بعد أن عرض
والصهوة: موضع اللبد من ظهر الفرس.
ويلوى بها: يذهب بها من
شدة عدوه.
والعنيف: الذى لا يحسن الركوب، وليس له رفق بركوب الخيل.
والمثقل: الثقيل.
(٢) الكميت: لون ليس بأشقر ولا أدهم.
والحال: موضع اللبد من ظهر الفرس.
والصفواء (جمع صفاة): الصخرة الملساء.
والمتنزل: الذي ينزل عليها فيزلق عنها.
(٣) سخنت عينه: نقيض قرت.
(٤) راجع ج ١١ ص ٢٥٧ (*)