السابعة: روى الائمة عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته، قال: فوجدته يصلي، فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته، فسمعت تحريكا في عراجين ناحية البيت، فالتفت فإذا حية، فوثبت لاقتلها، فأشار إلي أن أجلس فجلست، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت ؟ فقلت نعم، فقال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله ﷺ إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله ﷺ بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما، فقال له رسول الله ﷺ (خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة).
فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع، فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك، وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني ! فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش، فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به، ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا، الحية أم الفتى ! قال: فجئنا إلى رسول الله ﷺ فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع الله يحييه [ لنا ] (١)، فقال:
(استغفروا لاخيكم (٢) - ثم قال: - إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فأذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان).
وفي طريق أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لهذه البيوت عوامر (٣) فإذا رأيتم شيئا منها فحرجوا عليها ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر - وقال لهم: - اذهبوا فادفنوا صاحبكم).
قال علماؤنا رحمة الله عليهم: لا يفهم من هذا الحديث أن هذا الجان الذي قتله هذا الفتى كان مسلما وأن الجن قتلته به قصاصا، لانه لو سلم أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن لكان إنما يكون في العمد المحض، وهذا الفتى لم يقصد ولم يتعمد قتل نفس مسلمة، إذ لم يكن عنده علم من ذلك، وإنما قصد إلى قتل ما سوغ قتل نوعه شرعا، فهذا قتل خطأ ولا قصاص فيه.
فالاولى
(٢) في صحيح مسلم: (لصاحبكم).
(٣) العوامر: الحيات التي تكون في البيوت، واحدها عامر وعامرة.
(*)