قلت: هذا صحيح وهو الذي اختاره غير واحد من العلماء، فإن من قال فيه بما سنح في وهمه وخطر على باله من غير استدلال عليه بالاصول فهو مخطئ، وان من استنبط معناه بحمله على الاصول المحكمة المتفق على معناها فهو ممدوح.
وقال بعض العلماء: ان التفسير موقوف على السماع، لقوله تعالى: " فإن تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول " (١) وهذا فاسد لأن النهي عن تفسير القران لا يخلو: اما ان يكون المراد به الاقتصار على النقل والمسموع وترك الاستنباط، أو المراد به امرا اخر.
وباطل ان يكون المراد به الا يتلكم احد في القران الا بما سمعه، فإن الصحابة رضى الله عنهم قد قرءوا القران واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، فان كان التأويل مسموعا كالتنزيل فما فائدة تخصيصه بذلك ! وهذا بين لا اشكال فيه، وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة " النساء " ان شاء الله تعالى، وانما النهي يحمل على احد وجهين: احدهما - ان يكون له في الشئ رأي، واليه ميل من طبعه وهواه، فيتأول القران على وفق رأيه وهواه، ليحتج على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأى والهوى لكان لا يلوح له من القران ذلك المعنى.
وهذا النوع يكون تارة مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القران على تصحيح بدعته، وهو يعلم ان ليس المراد بالاية ذلك، ولكن مقصوده ان يلبس على خصمه، وتارة يكون مع الجهل، وذلك إذا كانت الاية محتملة فيميل فهمه الى الوجه الذي يوافق غرضه، ويرجح ذلك الجانب برأيه وهواه، فيكون قد فسر برأيه اي رأيه حمله
على ذلك التفسير، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه.
وتارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القران ويستدل عليه بما يعلم انه ما اريد به، كمن يدعو الى مجاهدة القلب القاسي فيقول قال الله تعالى: " اذهب الى فرعون انه طغى " (٢) ويشير الى قلبه، ويومئ الى انه المراد بفرعون، هذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع، وهو ممنوع لانه قياس في اللغة، وذلك غير جائز.
وقد تستعمله
(٢) اية ٢٤ سورة طه.
(*)