ما وعد الله نبيه عليه السلام أنه سيظهر دينه على الأديان بقوله تعالى " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق (١) " الآية.
ففعل ذلك.
وكان أبو بكر رضى الله عنه إذا أغزى جيوشه عرفهم ما وعدهم الله في إظهار دينه، ولثقوا بالنصر، وليستيقنوا بالنجح، وكان عمر يفعل ذلك: فلم يزل الفتح يتوالى شرقا وغربا، برا وبحرا، قال الله تعالى: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم (٢) " وقال: " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ".
وقال " وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم (٤) " وقال: " الم.
غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (٥) ".
فهذه كلها أخبار عن الغيوب التي لا يقف عليها إلا رب العالمين، أو من أوقفه عليها رب العالمين، فدل على أن الله تعالى قد أوقف عليها رسوله لتكون دلالة على صدقه.
ومنها: ما تضمنه القرآن من العلم الذي هو قوام جميع الأنام، في الحلال والحرام، وفي سائر الأحكام.
ومنها الحكم البالغة التي لم تجر العادة بأن تصدر في كثرتها وشرفها من آدمي.
ومنها: التناسب في جميع ماتصمنه ظاهرا وباطنا من غير اختلاف: قال الله تعالى: " ولو كان من عند غير اله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (٦) ".
قلت: فهذه عشرة أوجه ذكرها علماؤنا رحمة الله عليهم، ووجه حادى عشر قاله النظام وبعض القدرية: أن وجه الإعجاز هو المنع من معارته، والصرفة عند التحدي بمثله.
وأن المنه والصرفة هو المعجزة دون ذات القرآن، وذلك أن الله تعال صرف هممهم عن معارضته مع تحديهم بأن يأتوا بسورة من مثله.
وهذا فاسد، لأن إجماع الأمة قبل حدوث المخالف أن القرآن هو المعجز، فلوا قلنا إن المنع والصرفة هو المعجز لخرج القرآن عن أن كونه معجزا، وذلك خلاف الإجماع، وإذ كان كذلك علم أن نفس القرآن هو المعجز، لأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة، إذ لم يوجد قط كلام على هذا الوجه، فلما لم يكن ذلك الكلام
مألوفا معتادا منهم دل على أن المنع والصرفة لم يكن معجزا.
واختلف من قال بهذا الصرفة هامش) * (١) راجع ج ٨ ص ١٢١.
(٢) راجع ج ١٢ ص ٢٩٧.
(٣) راجع ج ١٦ ص ٢٨٩.
(٤) راجع ج ٧ ص ٣٦٩.
(٥) راجع ج ١٤ ص ١.
(٦) راجع ج ٥ ص ٢٩٠ (*)


الصفحة التالية
Icon