عضال ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه، ولم يفارقه داء ولا نجع فيه دواء، بل أعيا الاطباء ويئس من برئه الحكماء والعلماء.
وحقيقة الامل: الحرص على الدنيا والانكباب عليها، والحب لها والاعراض عن الآخرة.
وروى (١) عن رسول الله ﷺ أنه قال: " نجا أول هذه الامة باليقين والزهد ويهلك آخرها بالبخل والامل ".
ويروى عن أبى الدرداء رضى الله أنه قام على درج مسجد دمشق فقال: يأهل دمشق، ألا تسمعون من أخ لكم ناصح ؟ إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا ويأملون بعيدا، فأصبح جمعهم بورا وبنيانهم قبورا وأملهم غرورا.
هذه عاد قد ملات البلاد أهلا ومالا وخيلا ورجالا، فمن يشترى منى اليوم تركتهم بدرهمين ! وأنشد: يا ذا المؤمل آمالا وإن بعدت * منه ويزعم أن يحظى بأقصاها أنى تفوز بما ترجوه ويك وما * أصبحت في ثقة من نيل أدناها وقال الحسن: ما أطال عبد الامل إلا أساء العمل.
وصدق رضى الله عنه ! فالامل يكسل عن العمل ويورث التراخي والتوانى، ويعقب التشاغل والتقاعس، ويخلد إلى الارض
ويميل إلى الهوى.
وهذا أمر قد شوهد بالعيان فلا يحتاج إلى بيان ولا يطلب صاحبه ببرهان، كما أن قصر الامل يبعث على العمل، ويحيل على المبادرة، ويحث على المسابقة.
قوله تعالى: وما أهلكنا من قريه إلا ولها كتاب معلوم (٤) أي أجل مؤقت كتب لهم في اللوح المحفوظ.
قوله تعالى: ما تسبق من أمة أجلها وما يستئخرون (٥) " من " صلة، كقولك: ما جاءني من أحد.
أي لا تتجاوز أجلها فتزيد عليه، ولا تتقدم قبله.
ونظيره قوله تعالى: " فإذ جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (٢) ".
(٢) راجع ج ٧ ص ٢٠١.
(*)