الآحاد، لا سيما وقد روي من طريق التواتر - من غير أن يحتمل تأويلا - بإجماع الامة قوله عليه
الصلاة والسلام: (لا نبي بعدي) وقال تعالى: " وخاتم النبيين " (١) [ الاحزاب: ٤٠ ] والخضر و [ إلياس ] (٢) جميعا باقيان مع هذه الكرامة، فوجب أن يكونا غير نبيين، لانهما لو كانا نبيين لوجب أن يكون بعد نبينا عليه الصلاة والسلام نبي، إلا ما قامت الدلالة في حديث عيسى أنه ينزل بعده.
قلت: [ الجمهور أن ] (٣) الحضر كان نبيا - على ما تقدم - وليس بعد نبينا عليه الصلاة والسلام نبي، أي يدعي النبوة بعده أبتداء الله أعلم.
العاشرة - اختلف الناس هل يجوز أن يعلم الولي أنه ولي أم لا ؟ على قولين: أحدهما - أنه لا يجوز، وأن ما يظهر على يديه يجب أن يلاحظه بعين خوف المكر، لانه لا يأمن أن يكون مكرا واستدراجا له، وقد حكي عن السري أنه كان يقول: لو أن رجلا دخل بستانا فكلمه من رأس كل شجرة طير بلسان فصيح: السلام عليك يا ولي الله فلو لم يخف أن يكون ذلك مكرا لكان ممكورا به، ولانه لو علم أنه ولي لزال عنه الخوف، وحصل له الامن.
ومن شرط الولي أن يستديم الخوف إلى أن تتنزل عليه الملائكة، كما قال عز وجل: " تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا " (٤) [ فصلت: ٣٠ ] ولان الولي من كان مختوما له بالسعادة، والعواقب مستورة ولا يدري أحد ما يختم له به، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (إنما الاعمال بالخواتيم).
القول الثاني - أنه يجوز للولي أن يعلم أنه ولي، ألا ترى أن النبي عليه الصلاة والسلام يجوز أن يعلم أنه ولي، ولا خلاف أنه يجوز لغيره أن يعلم (٥) أنه ولي الله تعالى، فجاز له أن يعلم ذلك.
وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام من حال العشرة من أصحابه أنهم من أهل الجنة، ثم لم يكن في ذلك زوال خوفهم، بل كانوا أكثر تعظيما لله سبحانه وتعالى، وأشد خوفا وهيبة، فإذا جاز للعشرة ذلك ولم يخرجهم عن الخوف فكذلك غيرهم.
وكان الشبلي يقول: أنا أمان هذا الجانب، فلما مات ودفن عبر الديلم دجلة ذلك اليوم، واستولوا على بغداد، ويقول الناس: مصيبتان موت الشبلي وعبور الديلم.
ولا يقال: إنه يحتمل أن يكون ذلك استدراجا لانه

(١) راجع ج ١٤ ص ١٩٦.
(٢) في الاصول: (دانيال) وهو تحريف.
(٣) من ج وك وى.
(٤) راجع ج ١٥ ص ٣٥٧.
(٥) في ك وى: أن يعرفه.
(*)


الصفحة التالية
Icon