قوله تعالى: (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل) يحتمل وجهين: [ أحدهما ] ما ذكره لهم من العبر والقرون الخالية.
الثاني ما أوضحه لهم من دلائل الربوبية وقد تقدم في " سبحان " (١)، فهو على الوجه الاول زجر، وعلى الثاني بيان.
(وكان الانسان أكثر شئ جدلا) أي جدالا ومجادلة والمراد به النضر بن الحرث وجداله في القرآن وقيل: الآية في أبي بن خلف.
وقال الزجاج: أي الكافر أكثر شئ جدلا، والدليل على أنه أراد الكافر قوله " ويجادل الذين كفروا بالباطل ".
وروي أنس أن النبي ﷺ قال: (يؤتى بالرجل يوم القيامة من الكفار فيقول الله له ما صنعت فيما أرسلت إليك فيقول رب آمنت بك وصدقت برسلك وعملت بكتابك فيقول الله له هذه صحيفتك ليس فيها شئ من ذلك فيقول يا رب إني لا أقبل ما في هذه الصحيفة فيقال له هذه الملائكة الحفظة يشهدون عليك فيقول ولا أقبلهم يا رب وكيف أقبلهم ولا هم من عندي ولا من جهتي فيقول الله تعالى هذا اللوح المحفوظ
أم الكتاب قد شهد بذلك فقال يا رب ألم تجرني من الظلم قال بلى فقال يا رب لا أقبل إلا شاهدا علي من نفسي فيقول الله تعالى الآن نبعث عليك شاهدا من نفسك فيتفكر من ذا الذي يشهد عليه من نفسه فيختم على فيه ثم تنطق جوارحه بالشرك ثم يخلى بينه وبين الكلام فيدخل النار وإن بعضه ليلعن بعضا يقول لاعضائه لعنكن الله فعنكن كنت أناضل فتقول أعضاؤه لعنك الله أفتعلم أن الله تعالى يكتم حديثا فذلك قوله تعالى: " وكان الانسان أكثر شئ جدلا) " أخرجه مسلم بمعناه من حديث أنس أيضا.
وفي صحيح مسلم عن علي أن النبي ﷺ طرقه وفاطمة [ ليلا ] (٢) فقال: (ألا تصلون) فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف رسول الله ﷺ حين قلت له ذلك، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: " وكان الانسان أكثر شئ جدلا ") قوله تعالى: (وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى) أي القرآن والاسلام ومحمد عليه الصلاة والسلام (ويستغفروا ربهم إلا أن يأتيهم سنة الاولين) أي سنتنا في إهلاكهم
(٢) من ج.
(*)