مع السماء حول الارض من غير أن تلتصق بالارض، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الارض، بل هي أكبر من الارض أضعافا مضاعفة، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة، كما أنا نشاهدها في الارض الملساء كأنها تدخل في الارض، ولهذا قال: " وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا " ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم، بل أراد (١) أنهم أول من تطلع عليهم.
وقال القتبي: ويجوز أن تكون هذه العين من البحر، ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها، فيقام حرف الصفة مقام صاحبه والله أعلم.
(ووجد عندها قوما) أي عند العين، أو عند نهاية العين، وهم أهل جابرس، ويقال لها بالسريانية: جرجيسا، يسكنها قوم من نسل ثمود (٢) بقيتهم الذين آمنوا بصالح، ذكره السهيلي.
وقال وهب ابن منبه: (كان ذو القرنين رجلا من الروم ابن عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره وكان اسمه
الاسكندر، فلما بلغ وكان عبدا صالحا قال الله تعالى: يا ذا القرنين ! إني باعثك إلى أمم الارض وهم أمم مختلفة ألسنتهم، وهم أمم جميع الارض، وهم أصناف: أمتان بينهما طول الارض كله، وأمتان بينهما عرض الارض كله، وأمم في وسط الارض منهم الجن والانس ويأجوج ومأجوج، فأما اللتان بينهما طول الارض فأمة عند مغرب الشمس يقال لها ناسك، وأما الاخرى فعند مطلعها ويقال لها منسك.
وأما اللتان بينهما عرض الارض فأمة في قطر الارض الايمن يقال لها هاويل، وأما الاخرى التي في قطر الارض الايسر يقال لها تأويل.
فقال ذو القرنين: إلهي ! قد ندبتني لامر عظيم لا يقدر قدره إلا أنت، فأخبرني عن هذه الامم بأي قوة أكاثرهم ؟ وبأي صبر أقاسيهم ؟ وبأي لسان أناطقهم ؟ فكيف لي بأن أفقه لغتهم وليس عندي قوة ؟ فقال الله تعالى: سأظفرك بما حملتك، أشرح لك صدرك فتسمع كل شئ، وأثبت لك فهمك فتفقه كل شئ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شئ، وأسخر لك النور والظلمة فيكونان جندا من جنودك، يهديك النور من أمامك، وتحفظك الظلمة من ورائك.
فلما قيل له ذلك سار بمن اتبعه، فانطلق إلى الامة التي عند مغرب الشمس، لانها
(٢) في ك: هود.
ولعله خطأ من الناسخ.
(*)