جلده، ورد شهادته أبدا، وفسقه.
فالاستثناء غير عامل في جلده بإجماع، إلا ما روى عن الشعبى على ما يأتي.
وعامل في فسقه بإجماع.
واختلف الناس في عمله في رد الشهادة، فقال شريح القاضى وإبراهيم النخعي والحسن البصري وسفيان الثوري وأبو حنيفة: لا يعمل الاستثناء في رد شهادته، وإنما يزول فسقه عند الله تعالى.
وأما شهادة القاذف
فلا تقبل ألبتة ولو تاب وأكذب نفسه ولا بحال من الاحوال.
وقال الجمهور: الاستثناء عامل في رد الشهادة، فإذا تاب القاذف قبلت شهادته، وإنما كان ردها لعلة الفسق فإذا زال بالتوبة قبلت شهادته مطلقا قبل الحد وبعده، وهو قول عامة الفقهاء.
ثم اختلفوا في صورة توبته، فمذهب عمر بن الخطاب رضى الله عنه والشعبى وغيره، أن توبته لا تكون إلا بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذى حد فيه.
وهكذا فعل عمر، فإنه قال للذين شهدوا على المغيرة: من أكذب نفسه أجزت شهادته فيما استقبل، ومن لم يفعل لم أجز شهادته، فأكذب الشبل بن معبد ونافع بن الحارث بن كلدة أنفسهما وتابا، وأبى أبو بكرة أن يفعل گ فكان لا يقبل شهادته.
وحكى هذا القول النحاس عن أهل المدينة.
وقالت فرقة - منها مالك رحمه الله تعالى وغيره -: توبته أن يصلح ويحسن حاله وإن لم يرجع عن قوله بتكذيب، وحسبه الندم على قذفه والاستغفار منه وترك العود إلى مثله، وهو قول ابن جرير.
ويروى عن الشعبى أنه قال: الاستثناء من الاحكام الثلاثة، إذا تاب وظهرت توبته لم يحد وقبلت شهادته وزال عنه التفسيق، لانه قد صار ممن يرضى من الشهداء، وقد قال الله عز وجل: " وإنى لغفار لمن (١) تاب " [ طه: ٨٢ ] الاية.
الثانية والعشرون - اختلف علماؤنا رحمهم الله تعالى متى تسقط شهادة القاذف، فقال ابن الماجشون: بنفس قذفه.
وقال ابن القاسم وأشهب وسحنون: لا تسقط حتى يجلد، فإن منع من جلده مانع عفو أو غيره لم ترد شهادته.
وقال الشيخ أبو الحسن اللخمى: شهادته في مدة الاجل موقوفة، ورجح (٢) القول بأن التوبة إنما تكون بالتكذيب في القذف، وإلا فأى رجوع لعدل إن قذف وحد وبقى على عدالته.

(١) راجع ج ١١ ص ٢٣١.
(٢) في ك: وترجيح القول بالتوبة إنما يكون الخ.
(*)


الصفحة التالية
Icon