قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية، وقطع عنها نسب جميع الخليقة فقال: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم " (١) [ الاعراف: ١١ ].
وقال: " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين.
ثم جعلناه نطفة في قرار (٢) مكين " [ المؤمنون: ١٢ - ١٣ ].
وقال: " يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ".
وقال تعالى: " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " (٣) [ التغابن: ٢ ].
ثم قال: " وصوركم فأحسن صوركم ".
(٤) [ غافر: ٦٤ ].
وقال: " لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم " (٥) [ التين: ٤ ].
وقال: " خلق الانسان من علق ".
[ العلق: ٢ ].
إلى غير ذلك من الايات، مع ما دلت عليه قاطعات البراهين أن لا خالق لشئ من المخلوقات إلا رب العالمين.
وهكذا القول في قول: " ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح " أي أن النفخ سبب خلق الله فيها الروح والحياة.
وكذلك القول في سائر الاسباب المعتادة،
فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره.
فتأمل هذا الاصل وتمسك به، ففيه النجاة من مذاهب أهل الضلال الطبعيين (٦) وغيرهم.
الرابعة - لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يوما، وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس، كما بيناه بالاحاديث.
وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الاحكام في الاستلحاق عند التنازع، وفي وجوب النفقات على حمل المطلقات، وذلك لتيقنه بحركة الجنين في الجوف.
وقد قيل: إنه الحكمة في عدة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وهذا الدخول في الخامس يحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل.
الخامسة - النطفة ليست بشئ يقينا، ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم، فهي كما لو كانت في صلب الرجل، فإذا طرحته علقة فقد تحققنا أن النطفة قد استقرت واجتمعت واستحالت إلى أول أحوال يتحقق به أنه ولد.
وعلى هذا فيكون وضع العلقة فما فوقها من المضغة وضع حمل، تبرأ به الرحم، وتنقضي به العدة، ويثبت به لها حكم أم الولد.
وهذا مذهب مالك رضي الله عنه وأصحابه.
وقال الشافعي رضي الله عنه:
(٢) راجع ص ١٠٨ فما بعد من هذا الجزء.
(٣) راجع ج ١٨ ص ١٣٢.
(٤) راجع ج ١٥ ص ٣٢٦.
(٥) راجع ج ٢٠ ص ١١٣ فما بعد.
وص ١١٩.
(٦) في الاصول: الطبائع.
(*)