ما في قلوبنا من ميل بعضنا إلى بعض من عندنا من النساء دون بعض، وهو العالم بكل شئ " لا يخفى عليه شئ في الارض ولا في السماء " (١) [ آل عمران: ٥ ] " يعلم السر وأخفى " (٢) [ طه: ٧ ] لكنه سمح في ذلك، إذ لا يستطيع العبد أن يصرف قلبه عن ذلك الميل، وإلى ذلك يعود قوله: " وكان الله غفورا رحيما ".
وقد قيل في قوله: " ذلك أدنى أن تقر أعينهن " وهي: العاشرة - أي ذلك أقرب ألا يحزن إذا لم يجمع إحداهن مع الاخرى ويعاين الاثرة والميل.
وروى أبو داود عن أبي هريره عن النبي ﷺ قال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل).
(ويرضين بما آتيتهن كلهن) توكيد للضمير، أي ويرضين كلهن.
وأجاز أبو حاتم والزجاج " ويرضين بما آتيتهن كلهن " على التوكيد للمضمر الذي في " آتيتهن ".
والفراء لا يجيزه، لان المعنى ليس عليه، إذ كان المعنى وترضى كل واحدة منهن، وليس المعنى بما أعطيتهن كلهن.
النحاس: والذي قاله حسن.
الحادية عشرة - قوله تعالى: (والله يعلم ما في قلوبكم) خبر عام، والاشارة إلى
ما في قلب رسول الله ﷺ من محبة شخص دون شخص.
وكذلك يدخل في المعنى أيضا المؤمنون.
وفي البخاري عن عمرو بن العاص أن النبي ﷺ بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك ؟ فقال: (عائشة) فقلت: من الرجال ؟ قال: (أبوها) قلت: ثم من ؟ قال: (عمر بن الخطاب...) فعد رجالا.
وقد تقدم القول في القلب بما فيه كفاية في أول " البقرة " (٣)، وفي أول هذه السورة (٤).
يروى أن لقمان الحكيم كان عبدا نجارا قال له سيده: اذبح شاة وائتني بأطيبها بضعتين، فأتاه باللسان والقلب.
ثم أمره بذبح شاة أخرى فقال له: ألق أخبثها بضعتين، فألقى اللسان والقلب.
فقال: أمرتك أن تأتيني بأطيبها بضعتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي بأخبثها بضعتين فألقيت اللسان والقلب ؟ فقال: ليس شئ أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.

(١) راجع ج ٤ ص ٦ فما بعد.
(٢) راجع ج ١١ ص ١٦٥ فما بعد.
(٣) راجع ج ١ ص ١٨٧.
(٤) ص ١١٧ من هذا الجزء.
(*)


الصفحة التالية
Icon