الامور واقتصارا على ضرورات المعاش، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء، واستقر المدى إلى نوح فبعثه الله بتحريم الامهات والبنات والاخوات، ووظف عليه الواجبات وأوضح له الآداب في الديانات، ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل يتناصر (١) بالانبياء - صلوات الله عليهم - واحدا بعد واحد وشريعة إثر شريعة، حتى ختمها الله بخير الملل ملتنا على لسان أكرم الرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان المعنى أوصيناك يا محمد ونوحا دينا واحدا، يعني في الاصول التي لا تختلف فيها الشريعة، وهي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج، والتقرب إلى الله بصالح الاعمال، والزلف إليه بما يرد القلب والجارحة إليه، والصدق والوفاء بالعهد، وأداء الامانة وصلة الرحم، وتحريم الكفر والقتل والزنى والاذاية للخلق كيفما تصرفت، والاعتداء على الحيوان كيفما دار، واقتحام الدناءات وما يعود بخرم المروءات، فهذا كله مشروع دينا واحدا وملة متحدة، لم تختلف على ألسنة الانبياء وإن اختلفت أعدادهم، وذلك قوله تعالى: " أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " أي اجعلوه قائما، يريد دائما مستمرا محفوظا مستقرا من غير خلاف فيه ولا أضطراب، فمن الخلق من وفى بذلك ومنهم من نكث، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه [ الفتح: ١٠ ].
واختلفت الشرائع وراء هذا في معان حسبما أراده الله مما اقتضت المصلحة وأوجبت الحكمة وضعه في الازمنة على الامم ".
والله أعلم.
قال مجاهد: لم يبعث الله نبيا قط إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والاقرار لله بالطاعة، فذلك دينه الذي
شرع لهم، وقاله الوالبي عن ابن عباس، وهو قول الكلبي.
وقال قتادة: يعني تحليل الحلال وتحريم الحرام.
وقال الحكم: تحريم الامهات والاخوات والبنات.
وما ذكره القاضي يجمع هذه الاقوال ويزيد عليها.
وخص نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى بالذكر لانهم أرباب الشرائع.
قوله تعالى: " كبر على المشركين " أي عظم عليهم.
" ما تدعوهم إليه " من التوحيد ورفض الاوثان.
قال قتادة: كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله، وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله عز وجل إلا أن ينصرها ويعليها ويظهرها على من
(*)