قوله تعالى: (يخربون بيوتهم) قراءة العامة بالتخفيف من أخرب، أي يهدمون.
وقرأ السلمي والحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية وقتادة وأبو عمرو " يخربون " بالتشديد من التخريب.
قال أبو عمرو: إنما اخترت التشديد لان الاخراب ترك الشئ خرابا بغير ساكن، وبنو النضير لم يتركوها خرابا وإنما خربوها بالهدم، يؤيده قوله تعالى: " بأيديهم وأيدي المؤمنين ".
وقال آخرون: التخريب والاخراب بمعنى واحد، والتشديد بمعنى التكثير.
وحكى سيبويه: أن معنى فعلت وأفعلت يتعاقبان، نحو أخربته (١) وخربته وأفرحته وفرحته.
واختار أبو عبيد وأبو حاتم الاولى.
قال قتادة والضحاك: كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا، واليهود يخربون من داخل ليبنسوا به ما خرب من حصنهم.
فروي أنهم صالحوا رسول الله ﷺ على ألا يكونوا عليه ولا له، فلما ظهر يوم بدر قالوا: هو النبي الذي نعت (٢) في التوراة، فلا ترد له راية.
فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا، فخرج كعب بن الاشرف في أربعين راكبا إلى مكة، فحالفوا عليه قريشا عند الكعبة، فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الانصاري فقتل كعبا غيلة ثم صبحهم بالكتائب، فقال
لهم: اخرجوا من المدينة.
فقالوا: الموت أحب إلينا من ذلك، فتنادوا بالحرب.
وقيل: استمهلوا رسول الله ﷺ عشرة أيام ليتجهزوا للخروج، فدس إليهم عبد الله ابن أبي المنافق وأصحابه لا تخرجوا من الحصن، فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم، ولئن أخرجتم لنخرجن معكم.
فدربوا على الازقة وحصنوها إحدى وعشرين ليلة، فلما قذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح، فأبى عليهم إلا الجلاء، على ما يأتي بيانه.
وقال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير: لما صالحهم النبي ﷺ على أن لهم ما أقلت الابل، كانوا يستحسنون الخشبة والعمود (٣) فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم ويخرب المؤمنون باقيها.
وعن ابن زيد أيضا: كانوا يخربونها لئلا يسكنها المسلمون بعدهم.
وقال ابن عباس: كانوا كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها ليتسع موضع القتال، وهم ينقبون دورهم من أدبارها إلى التي بعدها ليتحصنوا فيها، ويرموا
(٢) في ح، ه: " الذى بعث الله في الثوراة ".
(٣) في: ه: " أو العمود " بزيادة لفظ " أو ".
(*)