والجحدري وابن أبي إسحق " أن لن تقول " (١).
وقيل: انقطع الاخبار عن الجن ها هنا فقال الله تعالى: " وأنه كان رجال من الانس " فمن فتح وجعله من قول الجن ردها إلى قوله:
" أنه استمع " [ الجن: ١ ]، ومن كسر جعلها مبتدأ من قول الله تعالى.
والمراد به ما كانوا يفعلونه من قول الرجل إذا نزل بواد: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في جواره حتى يصبح، قاله الحسن وابن زيد وغيرهما.
قال مقاتل: كان أول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمن، ثم من بني حنيفة، ثم فشا ذلك في العرب، فلما جاء الاسلام عاذوا بالله وتركوهم.
وقال كردم بن أبي السائب: خرجت مع أبي إلى المدينة أول ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء الذئب فحمل حملا من الغنم، فقال الراعي: يا عامر الوادي، [ أنا ] (٢) جارك.
فنادى مناد يا سرحان أرسله، فأتى الحمل يشتد (٣).
وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة: " وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " أي زاد الجن الانس " رهقا " أي خطيئة وإثما، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة.
والرهق: الاثم في كلام العرب وغشيان المحارم، ورجل رهق إذا كان كذلك، ومنه قوله تعالى: " وترهقهم ذلة " [ يونس: ٢٧ ] وقال الاعشى: لا شئ ينفعني من دون رؤيتها * هل يشتفى وامق (٤) ما لم يصب رهقا يعني إثما.
وأضيفت الزيادة إلى الجن إذ كانوا سببا لها.
وقال مجاهد أيضا: " فزادوهم " أي إن الانس زادوا الجن طغيانا بهذا التعوذ، حتى قالت الجن: سدنا الانس والجن.
وقال قتادة أيضا وأبو العالية والربيع وابن زيد: ازداد الانس بهذا فرقا وخوفا من الجن.
وقال سعيد ابن جبير: كفرا.
ولا خفاء أن الاستعاذة بالجن دون الاستعاذة بالله كفر وشرك.
وقيل: لا يطلق لفظ الرجال على الجن، فالمعنى: وأنه كان رجال من الانس يعوذون من شر الجن

(١) قال الالوسى: (تقول): أصله تتقول بتاءين فحذفت إحداهما فكذبا مصدر مؤكد لان الكذب هو التقول (٢) الزيادة من الدر المنثور للسيوطي.
(٣) يشتد: يعدو.
(٤) في ا، ح وفتح القدير للشوكاني: (عاشق).
(*)


الصفحة التالية
Icon