قلت: وفيه بعد، فإن حق العماد أن يكون بين شيئين مثلا زمين، مثل قوله: " إن كان هذا هو الحق (١) "، وقوله: " ولكن كانوا هم الظالمين (٢) " ونحو ذلك.
وقيل: " ما " عاملة حجازية، و " هو " اسمها، والخبر في " بمزحزحه ".
وقالت طائفة: " هو " ضمير الامر والشأن.
ابن عطية: وفيه بعد، فإن المحفوظ عن النحاة أن يفسر بجملة سالمة من حرف جر.
وقوله: " بمزحزحه " الزحزحة: الابعاد والتنحية، يقال: زحزحته أي باعدته فتزحزح أي تنحى وتباعد، يكون لازما ومتعديا، قال الشاعر في المتعدي: يا قابض الروح من نفس إذا احتضرت * وغافر الذنب زحزحني عن النار وأنشده ذو الرمة: يا قابض الروح عن جسم عصى زمنا * وغافر الذنب زحزحني عن النار وقال آخر في اللازم: خليلي ما بال الدجى لا يتزحزح * وما بال ضوء الصبح لا يتوضح وروى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (من صام يوما في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار سبعين خريفا).
قوله تعالى: " والله بصير بما يعملون " أي بما يعمل هؤلاء الذين يود أحدهم أن يعمر ألف سنة.
ومن قرأ بالتاء فالتقدير عنده.
قل لهم يا محمد الله بصير بما تعملون.
وقال العلماء: وصف الله عز وجل نفسه بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيات الامور.
والبصير في كلام العرب: العالم بالشئ الخبير به، ومنه قولهم: فلان بصير بالطب، وبصير بالفقه، وبصير بملاقاة الرجال، قال: فإن تسألوني بالنساء فإنني * بصير بأدواء النساء طبيب قال الخطابي: البصير العالم، والبصير المبصر.
وقيل: وصف تعالى نفسه بأنه بصير على معنى جاعل الاشياء المبصرة ذوات إبصار، أي مدركة للمبصرات بما خلق لها من الالة المدركة والقوة، فالله بصير بعباده، أي جاعل عباده مبصرين.

(١) راجع ج ٧ ص ٣٩٨.
(٢) راجع ج ١٦ ص ١١٥.
(*)


الصفحة التالية
Icon