كل آية فيها ترك للقتال فهي مكية منسوخة بالقتال.
قال ابن عطية: وحكمه بأن هذه الاية مكية ضعيف، لان معاندات اليهود إنما كانت بالمدينة.
قلت: وهو الصحيح، روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد أن رسول الله ﷺ ركب على حمار عليه قطيفة فدكية (١) وأسامة وراءه، يعود سعد بن عبادة في بني الحارث ابن الخزرج قبل وقعة بدر، فسارا حتى مرا بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول (٢) - وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي - فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاوثان واليهود، وفي المسلمين عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة (٣) الدابة خمر (٤) ابن أبي أنفه بردائه وقال: لا تغيروا علينا ! فسلم رسول الله ﷺ ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى الله تعالى وقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد الله بن أبي ابن سلول: أيها المرء، لا أحسن مما تقول إن كان حقا ! فلا تؤذنا به في مجالسنا، [ ارجع إلى رحلك (٥) ] فمن جاءك فاقصص عليه.
قال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا في مجالسنا، فإنا نحب ذلك.
فاستتب المشركون والمسلمون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل رسول الله ﷺ يخفضهم حتى سكنوا، ثم ركب رسول الله ﷺ دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ([ يا سعد (٥) ] ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب - يريد عبد الله بن أبي - قال كذا وكذا) فقال: أي رسول الله، بأبي أنت وأمي ! اعف عنه واصفح، فو الذي أنزل عليك الكتاب بالحق لقد جاءك الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة (٦) على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك، فذلك فعل ما رأيت، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان رسول الله ﷺ وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما
(٢) سلول: أم عبد الله بن أبى.
(٣) العجاج: الغبار.
(٤) خمر أنفه: غطاه.
(٥) زيادة عن
صحيحي البخاري ومسلم يقتضيها السياق.
والرحل: المنزل.
(٦) البحيرة (تصغير البحرة): مدينة الرسول عليه السلام، وقد جاء في رواية مكيرا.
(*)