الثالثة - قوله تعالى: " بأيديهم " تأكيد، فإنه قد علم أن الكتب لا يكون إلا باليد، فهو مثل قوله: " ولا طائر يطير بجناحيه "، وقوله " يقولون بأفواههم " وقيل: فائدة " بأيديهم " بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم، فإن من تولى الفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله وإن كان رأيا له.
وقال ابن السراج: " بأيديهم " كناية عن أنهم من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم.
الرابعة - في هذه الاية والتى قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع، فكل من بدل وغير أو ابتدع في دين الله ما ليس منه ولا يجوز فيه فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد، والعذاب الاليم، وقد حذر رسول الله ﷺ أمته لما قد علم ما يكون في آخر الزمان فقال: (ألا من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعينن
ملة وإن هذه الامة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) الحديث، وسيأتى.
فحذرهم أن يحدثوا من تلقاء أنفسهم في الدين خلاف كتاب الله أو سنته أو سنة أصحابه فيضلوا به الناس، وقد وقع ما حدره وشاع،.
كثر وذاع، فإناالله وإنا إليه راجعون.
الخامسة - قوله تعالى: " ليشتروا به ثمنا قليلا " وصف الله تعالى ما يأخذونه بالقلة، إما لفنائه وعدم ثباته، وإما لكونه حراما، لان الحرام لا بركة فيه ولا يربو عند الله.
قال ابن إسحاق والكلبي: كانت صفة رسول الله ﷺ في كتابهم ربعة أسمر، فجعلوه آدم سبطا طويلا، وقالوا لاصحابهم وأتباعهم: انظروا إلى صفة النبي - ﷺ - الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبهه نعت هذا، وكانت للاحبار والعلماء رياسة ومكاسب، فخافوا إن بينوا أن تذهب مآكلهم ورياستهم، فمن ثم غيروا.
ثم قال تعالى: " فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون " قيل من المآكل.
وقيل من المعاصي.
وكرر الويل تغليظا لفعلهم.