استخراجها منها.
وقيل " قدر فهدى ": قدر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه، وعرفه وجه الانتفاع به.
يحكى أن الافعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت، وقد ألهمها الله أن مسح العين بورق الرازيانج (١) الغض يرد إليها بصرها، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام، فتطوي تلك المسافة على طولها وعلى عماها، حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن الله تعالى.
وهدايات الانسان إلى ما لا يحد من مصالحه، وما لا يحصر من حوائجه، في أغذيته وأدويته، وفي أبواب دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الارض باب واسع، وشوط بطين (٢)، لا يحيط به وصف واصف، فسبحان ربي الاعلى.
وقال السدي: قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر، وأقل وأكثر، ثم هداه للخروج من الرحم.
وقال الفراء: أي قدر، فهدى وأضل، فاكتفى بذكر أحدهما، كقوله تعالى: " سرابيل تقيكم الحر " (٣) [ النحل: ٨١ ].
ويحتمل أن يكون بمعنى دعا إلى الايمان، كقوله تعالى: " وإنك لتهدي إلى صراط " (٤) [ الشورى: ٥٢ ].
أي لتدعو، وقد دعا الكل إلى الايمان.
وقيل: " فهدى " أي دلهم بأفعاله على توحيده، وكونه عالما قادرا.
ولا خلاف أن من شدد الدال من " قدر " أنه من التقدير، كقوله تعالى: " وخلق كل شئ فقدره تقديرا " (٥) [ الفرقان: ٢ ].
ومن خفف فيحتمل أن يكون من التقدير فيكونان بمعنى.
ويحتمل أن يكون من القدر والملك، أي ملك الاشياء، وهدى من يشاء.
قلت: وسمعت بعض أشياخي يقول: الذي خلق فسوى وقدر فهدى.
هو تفسير العلو الذي يليق بجلال الله سبحانه على جميع مخلوقاته.
قوله تعالى: (والذي أخرج المرعى) أي النبات والكلا الاخضر.
قال الشاعر: (٦) وقد ينبت المرعى على دمن الثرى * وتبقى حزازات النفوس كما هيا

الرازيانج: شجرة يسميها أهل اليمن (السمار)، ومن خصائصها أن عصارة أغصانها وأوراقها تخلط بالادوية التي تحد البصر وتجلوه (انظر المعتمد في الادوية المفردة لملك اليمن يوسف بن رسول.
طبع مصطفى البابي الحلبي وأولاده بالقاهرة).
(٢) أي بعيد.
(٣) آية ٨١ سورة النحل.
(٤) آية ٥٢ سورة الشورى.
(٥) آية ٢ سورة الفرقان.
(٦) هو زفر بن الحارث.
والدمن: السرقين - الزبل - المتلبد بالبعر.
والثرى: التراب والارض.
(*)


الصفحة التالية
Icon