قلت: والصحيح أن الظاهر يعمل عليه حتى يتبين خلافه، لقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه في صحيح البخاري: أيها الناس، إن الوحى قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شئ، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة.
الثالثة - قوله تعالى: (وهو ألد الخصام) الالد: الشديد الخصومة، وهو رجل ألد، وامرأة لداء، وهم أهل لدد.
وقد لددت - بكسر الدال - تلد - بالفتح - لددا، أي صرت ألد.
ولددته - بفتح الدال - ألده - بضمها - إذا جادلته فغلبته.
والالد مشتق من اللديدين، وهما صفحتا العنق، أي في أي جانب أخذ من الخصومة غلب.
قال الشاعر: وألد ذى حنق على كأنما * تغلى عداوة صدره في مرجل وقال آخر: إن تحت التراب عزما وحزما * وخصيما ألد ذا مغلاق
و " الخصام " في الآية مصدر خاصم، قاله الخليل.
وقيل: جمع خصم، قاله الزجاج، ككلب وكلاب، وصعب وصعاب، وضخم وضخام.
والمعنى أشد المخاصمين خصومة، أي هو ذو جدال، إذا كلمك وراجعك رأيت لكلامه طلاوة وباطنه باطل.
وهذا يدل على أن الجدال لا يجوز إلا بما ظاهره وباطنه سواء.
وفى صحيح مسلم عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أبغض الرجال إلى الله الالد الخصم ".
قوله تعالى: وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد (٢٠٥) وقوله تعالى: (وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها) قيل: " تولى وسعى " من فعل القلب، فيجئ " تولى " بمعنى ضل وغضب وأنف في نفسه.
و " سعى " أي سعى بحيلته وإرادته