وسمى جهنم مهادا لانها مستقر الكفار.
وقيل: لانها بدل لهم من المهاد، كقوله: " فبشرهم بعذاب أليم (١) " ونظيره من الكلام قولهم: * تحية بينهم ضرب وجيع * قوله تعالى: ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد (٢٠٧) (ابتغاء) نصب على المفعول من أجله.
ولما ذكر صنيع المنافقين ذكر بعده صنيع المؤمنين.
قيل: نزلت في صهيب (٣) فإنه أقبل مهاجرا إلى رسول الله ﷺ فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته، وانتثل ما في كنانته (٤)، وأخذ قوسه، وقال: لقد علمتم أنى
من أرماكم، وأيم الله لا تصلون إلى حتى أرمى بما في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقى في يدى منه شئ، ثم افعلوا ما شئتم.
فقالوا: لا نتركك تذهب عنا غنيا وقد جئتنا صعلوكا، ولكن دلنا على مالك بمكة ونخلى عنك، وعاهدوه على ذلك ففعل، فلما قدم على رسول الله ﷺ نزلت: " ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله " الآية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ربح البيع أبا يحيى "، وتلا عليه الآية، أخرجه رزين، وقاله سعيد بن المسيب رضى الله عنهما.
وقال المفسرون: أخذ المشركون صهيبا فعذبوه، فقال لهم صهيب: إنى شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من غيركم، فهل لكم أن تأخذوا مالى وتذروني وديني ؟ ففعلوا ذلك، وكان شرط عليهم راحلة ونفقة، فخرج إلى المدينة فتلقاه أبو بكر وعمر رضى الله عنهما ورجال، فقال له أبو بكر: ربح بيعك أبا يحيى.
فقال له صهيب: وبيعك فلا يخسر، فما ذاك ؟ فقال: أنزل الله فيك كذا، وقرأ عليه الآية.
وقال الحسن: أتدرون فيمن نزلت هذه الآية، نزلت في المسلم لقى الكافر فقال له: قل لا إله إلا الله، فإذا قلتها
(٢) هذا عجز بيت لمعدى كرب، صدره: * وخيل قد دلفت لها بخيل * (٣) هو صهيب بن سنان بن مالك الرومي، سبته الروم [ وهو صغير ] فجلب إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان.
وقيل: بل هرب من الروم فقدم مكة وحالف بن جدعان.
وكان صهيب من السابقين الاولين، شهد بدرا والمشاهد كلها.
توفى بالمدينة سنة ثمان وثلاثين.
(من النجوم الزاهرة).
(٤) انتثل ما في كنانته: أي استخرج ما فيها من السهام.
والكنانة: جعبة السهام، تتخذ من جلود لا خشب غيها، أو من خشب لا جلود فيها.