فالمؤمنون الذين هم على سنن الشرع لم تفتنهم الزينة، والكفار تملكتهم لانهم لا يعتقدون غيرها.
وقد قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه حين قدم عليه بالمال: اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا.
قوله تعالى: (ويسخرون من الذين آمنوا) إشارة إلى كفار قريش، فإنهم كانوا يعظمون حالهم من الدنيا ويغتبطون بها، ويسخرون من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جريج: في طلبهم الآخرة.
وقيل: لفقرهم وإقلالهم، كبلال وصهيب وابن مسعود وغيرهم، رضى الله عنهم، فنبه سبحانه على خفض منزلتهم لقبيح فعلهم بقوله: (والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة).
وروى على أن النبي ﷺ قال: " من استذل مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يده شهره الله يوم القيامة ثم فضحه ومن بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه الله تعالى على تل من نار يوم القيامة حتى يخرج مما قال فيه وإن عظم المؤمن أعظم عند الله وأكرم عليه من ملك مقرب وليس شئ أحب إلى الله من مؤمن تائب أو مؤمنة تائبة وإن الرجل المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده ".
ثم قيل: معنى " والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة " أي في الدرجة، لانهم في الجنة والكفار في النار.
ويحتمل أن يراد بالفوق المكان، من حيث إن الجنة في السماء،
والنار في أسفل السافلين.
ويحتمل أن يكون التفضيل على ما يتضمنه زعم الكفار، فإنهم يقولون: وإن كان معاد فلنا فيه الحظ أكثر مما لكم، ومنه حديث خباب (١) مع العاص بن وائل، قال خباب: كان لى على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه، فقال لى: لن أقضيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.
قال فقلت له: إنى لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث.
قال: وإنى لمبعوث من بعد الموت ؟ ! فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد، الحديث.
وسيأتى بتمامه إن شاء الله تعالى.
(٢) ويقال: سخرت منه وسخرت به، وضحكت منه وضحكت به، وهزئت منه وبه، كل ذلك يقال، حكاه الاخفش.
والاسم

(١) خباب (بفتح الخاء وتشديد الباء): بن الارث، شهد بدرا، وكان فينا في الجاهلية ومن الهاجرين الاولين.
(٢) راجع ج ١١ ص ١٤٥


الصفحة التالية
Icon