فيه ثلاث مسائل: الاولى - قوله تعالى: (كتب) معناه فرض، وقد تقدم (١) مثله.
وقرأ قوم " كتب عليكم القتل "، وقال الشاعر (٢):
كتب القتل والقتال علينا * وعلى الغانيات جر الذيول هذا هو فرض الجهاد، بين سبحانه أن هذا مما امتحنوا به وجعل وصلة إلى الجنة.
والمراد بالقتال قتال الاعداء من الكفار، وهذا كان معلوما لهم بقرائن الاحوال، ولم يؤذن للنبى ﷺ في القتال مدة إقامته بمكة، فلما هاجر أذن له في قتال من يقاتله من المشركين فقال تعالى: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا (٣) " ثم أذن له في قتال المشركين عامة.
واختلفوا من المراد بهذه الآية، فقيل: أصحاب النبي ﷺ خاصة، فكان القتال مع النبي ﷺ فرض عين عليهم، فلما استقر الشرع صار على الكفاية، قال عطاء والاوزاعي.
قال ا بن جريج: قلت لعطاء: أواجب الغزو على الناس في هذه الآية ؟ فقال: لا، إنما كتب على أولئك.
وقال الجمهور من الامة: أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين، غير أن النبي ﷺ كان إذا استنفرهم تعين عليهم النفير لوجوب طاعته.
وقال سعيد بن المسيب: إن الجهاد فرض على كل مسلم في عينه أبدا، حكاه الماوردى.
قال ابن عطية: والذى استمر عليه الاجماع أن الجهاد على كل أمة محمد ﷺ فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة الاسلام فهو حينئذ فرض عين، وسيأتى هذا مبينا في سورة " براءة (٤) " إن شاء الله تعالى.
وذكر المهدوى وغيره عن الثوري أنه قال: الجهاد تطوع.
قال ابن عطية: وهذه العبارة عندي إنما هي على سؤال سائل وقد قيم بالجهاد، فقيل له: ذلك تطوع.
الثانية - قوله تعالى: (وهو كره لكم) ابتداء وخبر، وهو كره في الطباع.
قال ابن عرفة: الكره المشقة، والكره - بالفتح - ما أكرهت عليه، هذا هو الاختيار،
(٢) هو عمر بن أبى ربيعة.
(٣) آية ٣٩ سورة الحج.
(٤) راجع ج ٦ ص ١٣٦.