تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اتفقوا على لقائهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد الله، ثم قدموا بالعير والاسيرين، وقال لهم عبد الله بن جحش: اعزلوا مما غنمنا الخمس لرسول الله ﷺ ففعلوا، فكان أول خمس في الاسلام، ثم نزل القرآن: " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه (١) " فأقر الله ورسوله فعل عبد الله بن جحش ورضيه وسنه للامة إلى يوم القيامة، وهى أول غنيمة غنمت في الاسلام، وأول أمير، وعمرو بن الحضرمي أول قتيل.
وأنكر رسول الله ﷺ قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام، فسقط في أيدى القوم، فأنزل الله عز وجل: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " إلى قوله: " هم فيها خالدون ".
وقبل رسول الله ﷺ الفداء في الاسيرين، فأما عثمان بن عبد الله فمات بمكة كافرا، وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله ﷺ حتى استشهد ببئر معونة، ورجع سعد وعتبة إلى المدينة سالمين.
وقيل: إن انطلاق سعد بن أبى وقاص وعتبة في طلب بعيرهما كان عن إذن من عبد الله بن جحش، وإن عمرو بن الحضرمي وأصحابه لما رأوا أصحاب رسول الله ﷺ هابوهم، فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد فزعوا منكم، فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم، فإذا رأوه محلوقا أمنوا وقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم، وتشاوروا في قتالهم، الحديث.
وتفاءلت اليهود وقالوا: واقد وقدت الحرب، وعمرو عمرت الحرب، والحضرمى حضرت الحرب.
وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم، فقال (٢): لا نفديهما حتى يقدم سعد وعتبة، وإن لم يقدما قتلناهما بهما، فلما قدما فاداهما، فأما الحكم فأسلم وأقام بالمدينة حتى قتل يوم بئر معونة
شهيدا، وأما عثمان فرجع إلى مكة فمات بها كافرا، وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الاحزاب ليدخل الخندق على المسلمين فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعا فقتله الله تعالى، وطلب المشركون جيفته بالثمن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية " فهذا سبب نزول قوله تعالى: " يسألونك عن الشهر الحرام ".
وذكر ابن إسحاق أن قتل

(١) آية ٤١ سورة الانفال.
(٢) أي النبي ﷺ كما في تفسير الطبري.


الصفحة التالية
Icon